للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: فهل أنتم منتهون عن شرب هذه، والمياسرة بهذا، (١) وعاملون بما أمركم به ربُّكم من أداء ما فرَض عليكم من الصلاة لأوقاتها، ولزوم ذكره الذي به نُجْح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم؟.

* * *

واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية.

فقال بعضهم: نزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب، وهو أنه ذكر مكروهَ عاقبة شربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تحر يمَها. (٢)

ذكر من قال ذلك:

١٢٥١٢ - حدثنا هناد بن السريّ، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهمّ بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنزلت الآية التي في"البقرة": (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) ، [سورة البقرة: ٢١٩] . قال: فدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! فنزلت الآية التي في"النساء": (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) [سورة النساء: ٤٣] . قال: وكان مُنَادِي النبي صلى الله عليه وسلم يُنادي إذا حضرت الصلاة: لا يقربنّ الصلاة السكران! قال: فدُعِي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنزلت الآية التي في"المائدة":"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ" إلى قوله:"فهل أنتم منتهون". فلما انتهى إلى قوله:"فهل أنتم منتهون" قال عمر: انتهينا انتهينا!! (٣)


(١) انظر تفسير"الانتهاء" فيما سلف ٤٨٢، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٢) انظر ما سلف في تحريم الخمر ٤: ٣٣٠-٣٣٦/٨: ٣٧٦، ٣٧٧.
(٣) الأثر: ١٢٥١٢ -"أبو ميسرة" هو: "عمرو بن شرحبيل الهمداني"، سمع عمر، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما من الصحابة. مضى برقم: ٢٨٣٩، ٢٨٤٠، ٩٢٢٨. وهذا الخبر رواه أبو جعفر من خمس طرق، عن أبي إسحق، عن أبي ميسرة.
ورواه أحمد في مسنده رقم: ٣٧٨ من طريق إسرائيل، عن أبي إسحق، بمثله، وأبو داود في سننه ٣: ٤٤٤ رقم: ٣٦٧٠، بمثله، وفيه: "بيانًا شفاء". والنسائي في سننه ٨: ٢٨٦، ٢٨٧، بمثله. والترمذي في سننه في كتاب التفسير من طريق محمد بن يوسف، عن إسرائيل، مرفوعًا، ثم من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، عن وكيع. عن إسرائيل، مرسلا. ولكن جاء هنا في رواية هناد بن السري، عن وكيع، مرفوعًا. وقال الترمذي بعد ذكر رواية أبي كريب: "وهذا أصح من حديث محمد بن يوسف"، يعني أنه أصح مرسلا. وانظر ما سيأتي في باقي التخريج.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٢٧٨، من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل بمثله، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
ورواه البيهقي في السنن ٨: ٢٨٥، من طريق عبيد الله بن موسى أيضًا، ومن طريق إسمعيل بن جعفر، عن إسرائيل، بمثله.
ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: ٣٩، من طريق محمد بن يوسف، عن إسرائيل، (كطريق الترمذي) وفيه زيادة: "فإنها تذهب العقل والمال"، الآتية في رقم: ١٢٥١٣، وليس في رواية الترمذي.
ورواه الواحدي في أسباب النزول: ١٥٤، من طريق أحمد بن حنبل، عن خلف بن وليد، عن إسرائيل، بمثل ما في المسند.
وخرجه ابن كثير في تفسيره ١: ٤٩٩، ٥٠٠/ ثم ٣: ٢٢٥، وقد صحح أخي السيد أحمد هذا الحديث في المسند رقم: ٣٧٨، ثم قال: "وذكره ابن كثير في التفسير ١: ٤٩٩، ٥٠٠/٣: ٢٢٦ وقال: هكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من طرق عن أبي إسحق. وكذا رواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق الثوري، عن أبي إسحق، عن أبي ميسرة، واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي، عن عمر، وليس له عنه سواه. ولكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. والله أعلم. وقال علي بن المديني: "هذا إسناد صالح صحيح. وصححه الترمذي. وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله: انتهينا - إنها تذهب المال وتذهب العقل".
قال أخي السيد أحمد: "وقول أبي زرعة أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر، لا أجد له وجهًا. فإن أبا ميسرة لم يذكر بتدليس، وهو تابعي قديم مخضرم، مات سنة ٦٣. وفي طبقات ابن سعد ٦: ٧٣، عن أبي إسحق قال: أوصى أبو ميسرة أخاه الأرقم: لا تؤذن بي أحدًا من الناس، وليصل علي شريح قاضي المسلمين وإمامهم = وشريح الكندي، استقضاه عمر على الكوفة، وأقام على القضاء ستين سنة، فأبو ميسرة أقدم منه".
أقول: ولم يذكر أحد غير أبي زرعة فيما بحثت، أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر، بل كلهم ذكر سماعه من عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>