للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بن عمرو قال، حدثني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: كتب عليكم الحج! " فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام؟ قال: فغَلِقَ كلامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسكتَ (١) واستغضب، (٢) فمكث طويلا ثم تكلم فقال: من السائل؟ فقال الأعرابي: أنا ذا! فقال: ويحك! ماذا يُؤْمِنك أن قول"نعم"، ولو قلت"نعم" لوجبت، ولو وجبت لكفرتم! ألا إنه إنما أهلك الذين قبلكم أئمة الحَرَج، (٣) والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض، وحرَّمت عليكم منها موضع خُفٍّ، لوقعتم فيه! قال: فأنزل الله تعالى عند ذلك:"يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء"، إلى آخر الآية. (٤)

١٢٨٠٨ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وذلك أن رسول الله أذّن في الناس فقال:"يا قوم، كتب عليكم الحجّ! " فقام رجل من بني أسد فقال:


(١) في المطبوعة وابن كثير: "فعلا كلام رسول الله"، وهو خطأ لا شك فيه. وفي المخطوطة"فعلن" كأن آخرها"نون" وهي غير منقوطة. وفي مجمع الزوائد: "فعلق" بالعين المهملة، وأرجح أن الصواب ما أثبته. يقال: "غلق فلان، في حدته" (بفتح الغين وكسر اللام) أي: نشب، قال شمر: "يقال لكل شيء نشب في شيء فلزمه: قد غلق"، ومنه: "استغلق الرجل": إذا ارتج عليه ولم يتكلم، يعني أنه انقطع كلامه. فكأن هذا هو الصواب إن شاء الله.
وقوله بعد: "وأسكت" (بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الكاف) بالبناء للمعلوم فعل لازم، بمعنى سكت. قال اللحياني: "يقال تكلم الرجل ثم سكت -بغير ألف- فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قيل: "أسكت"، وقيل": "أسكت" أطرق، من فكرة أو داء أو فرق. وفسروا الخبر أنه: "أعرض ولم يتكلم". وبعض الخبر في اللسان (سكت) .
(٢) في المطبوعة وابن كثير زيادة: "وأغضب واستغضب"، لا أدري من أين جاءا بها. وليست"وأغضب" في المخطوطة. وقوله: "واستغضب" ضبطت في المخطوطة بفتحة على الضاد، وكذلك ضبطت في لسان العرب (سكت) ولم يذكر أصحاب اللغة: "استغضب" لازمًا، بل ذكروا"غضب" و"أغضبته فتغضبب"، ولكن ما جاء هنا له شاهد من قياس اللغة لا يرد. فهذا مما يزاد على نص المعاجم. ولو قرئ: "استغضب" بالبناء للمجهول، لكان جيدًا أيضًا وهو قياس محض"استغضب، فغضب".
(٣) قوله: "أئمة الحرج"، يعني الذين يبتدئون السؤال عن أشياء، تحرم على الناس من أجل سؤالهم، فهم كالأئمة الذين تقدموا الناس، فألزموهم الحرج. و"الحرج" أضيق الضيق.
(٤) الأثر: ١٢٨٠٧-"زكريا بن يحيى بن أبان المصري"، روى عنه أبو جعفر آنفًا رقم: ٥٩٧٣، وقال أخي السيد أحمد هناك: "لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب"، وصدق، لم يرد اسمه مبينًا كما جاء هنا وهناك. ولكن قد روى عنه أبو جعفر في مواضع من تاريخه ١: ٣٩ قال: "حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال، حدثنا ابن عفير"، ثم روى عنه في المنتخب من كتاب"ذيل المذيل" (١٣: ٣٩) : "حدثني زكرياء بن يحيى بن أبان المصري، قال، حدثنا أبو صالح كاتب الليث"، ثم في (١٣: ٦٣) : "حدثني زكرياء بن يحيى بن أبان المصري قال، حدثنا أحمد بن أشكاب" ثم في (١٣: ١٠٩) : "حدثني زكرياء بن يحيى قال، حدثنا أحمد بن يونس" فالذين حدث عنهم كلهم مصريون.
وأخشى أن يكون هو"زكريا بن يحيى الوقار المصري"، "أبو يحيى" مترجم في لسان الميزان ٢: ٤٨٥، وابن أبي حاتم ١/٢/٦٠١ وميزان الاعتدال ١: ٣٥٠، روى عن عبد الله بن وهب المصري فمن بعده، وعن زكريا بن يحيى الأدم المصري، والقاسم بن كثير المصري. وولد زكريا بن يحيى الوقار سنة ١٧٤، ومات سنة ٢٥٤، فهو مظنة أن يروى عنه أبو جعفر، كان من الصلحاء العباد الفقهاء، ولكن قال ابن عدي: "يضع الحديث، كذبه صالح جزرة. قال صالح: حدثنا زكريا الوقار، وكان من الكذابين الكبار". وقال أيضًا: "رأيت مشايخ مصر يثنون على أبي يحيى في العبادة والاجتهاد والفضل، وله حديث كثير، بعضه مستقيم، وبعضه موضوعات وكان هو يتهم بوضعها، لأنه يروى عن قوم ثقات أحاديث موضوعة. والصالحون قد رسموا بهذا: أن يرووا أحاديث موضوعة، ويتهم جماعة منهم بوضعها".
وأما "أبو زيد": "عبد الرحمن بن أبي الغمر"، المصري الفقيه من شيوخ البخاري روى عنه خارج الصحيح، مضى برقم: ٤٣٢٩. وفي المطبوعة: "بن أبي العمر" بالعين المهملة وهو خطأ.
و"أبو مطيع": "معاوية بن يحيى الشامي الأطرابلسي"، ثقة، وقال ابن معين: "ليس بذاك القوي"، وقال الدارقطني: "ضعيف". مترجم في التهذيب، والكبير ٤/١/٣٣٦، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم ٤/١/٣٨٤، ووثقه أبو زرعة.
و"صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي"، ثقة مضى برقم: ٧٠٠٩.
و"سليم بن عامر الكلاعي، الخبائري"، ثقة روى عن أبي أمامة، وغيره من الصحابة، مترجم في التهذيب، والكبير ٢/٢/١٢٦، وابن أبي حاتم ٢/١/٢١١.
وهذا الخبر خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا ٣: ٢٠٤ وقال: "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن جيد".
ونقله ابن كثير في تفسيره ٣: ٢٥١ عن هذا الموضع من التفسير، وقال: "في إسناده ضعف"، وكأن علة ضعفه عنده، هو"زكريا بن يحيى بن أبان المصري"، وفي إسناده في ابن كثير خطأ، كتب"عبد العزيز بن أبي الغمر"، وهو خطأ محض.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٣٣٥، وزاد نسبته لابن مردويه. ثم انظر ما ختم به أبو جعفر فصله هذا ص: ١١٢، أن مخرج هذا الأخبار صحاح عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>