معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه ما العبادُ قائلون قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه. قال: ولا ينبئك مثلُ خبير: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، [سورة الزمر: ٥٦-٥٨] ، يقول: من المهتدين. فأخبر الله سبحانه أنهم لو رُدُّوا [إلى الدنيا، لما استقاموا] على الهدى، و [قال] : (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ، (١) وقال:"ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة"، قال: لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه، أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهدَ أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها: أنَّه يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرِّفها كيف شاء، وأنّ ذلك بيده يقيمه إذا شاء، ويزيغه إذا أراد= وأنّ قوله:(كما لم يؤمنوا به أول مرة) ، دليل على محذوف من الكلام= وأنّ قوله:"كما" تشبيه ما بعده بشيء قبله.
وإذْ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون معنى الكلام: ونقلب أفئدتَهم، فنزيغها عن الإيمان، وأبصارَهم عن رؤية الحق ومعرفة موضع الحجة، وإن جاءتهم الآية التي سألوها، فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبلَ مجيئها مرَّة قبل ذلك.
* * *
(١) في المطبوعة: ((فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ... )) حذف بعض ما في المخطوطة. وفي المخطوطة: ((فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا على الهدى وقال: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ... )) فأثبت نص المخطوطة، وزدت ما زدته بين القوسين حتى ستقيم الكلام.