للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ ابن عباس، لأن الله جل ثناؤه عمَّ بقوله: (ما كانوا ليؤمنوا) ، القوم الذين تقدّم ذكرهم في قوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيه ليؤمنن بها) .

وقد يجوز أن يكون الذين سألوا الآية كانوا هم المستهزئين الذين قال ابن جريج إنهم عُنوا بهذه الآية، ولكن لا دلالة في ظاهر التنزيل على ذلك، ولا خبر تقوم به حجة بأن ذلك كذلك. والخبر من الله خارجٌ مخرجَ العموم، فالقول بأنَّ ذلك عنى به أهل الشقاء منهم أولى، لما وصفنا.

* * *

واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) .

فقرأته قرأة أهل المدينة:"قِبَلا"، بكسر"القاف" وفتح"الباء"، بمعنى: معاينةً= من قول القائل:"لقيته قِبَلا"، أي معاينة ومُجاهرةً.

* * *

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين: (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا) ، بضم"القاف"،"والباء".

وإذا قرئ كذلك، كان له من التأويل ثلاثة أوجه:

أحدها أن يكون"القبل" جمع"قبيل"، كالرُّغُف التي هي جمع"رغيف"، و"القُضُب" التي هي جمع"قضيب"، ويكون"القبل"، الضمناء والكفلاء= وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وحشرنا عليهم كل شيء كُفَلاء يكفلون لهم بأن الذي نعدهم على إيمانهم بالله إن آمنوا، أو نوعدهم على كفرهم بالله إن هلكوا على كفرهم، ما آمنوا إلا أن يشاء الله.

والوجه الآخر: أن يكون"القبل" بمعنى المقابلة والمواجهة، من قول القائل:"أتيتُك قُبُلا لا دُبُرًا"، إذا أتاه من قبل وجهه.

والوجه الثالث: أن يكون معناه: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلةً قبيلةً، صنفًا صنفًا، وجماعة جماعةً، فيكون"القبل" حينئذ جمع"قبيل"، الذي هو ج

<<  <  ج: ص:  >  >>