عليه مقيمين بالحجج البالغة، وينذرونكم وعيدَ الله على مقامكم على ما كنتم عليه مقيمين، فلم تقبلوا ذلك، ولم تتذكروا ولم تعتبروا.
* * *
واختلف أهل التأويل في"الجن"، هل أرسل منهم إليهم، أم لا؟
فقال بعضهم: قد أرسل إليهم رسل، كما أرسل إلى الإنس منهم رسلٌ.
* ذكر من قال ذلك:
١٣٨٩٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سئل الضحاك عن الجن، هل كان فيهم نبيّ قبل أن يُبْعث النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع إلى قول الله: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصُّون عليكم آياتي) ، يعني بذلك: رسلا من الإنس ورسلا من الجن؟ فقالوا: بلَى!
* * *
وقال آخرون: لم يرسل منهم إليهم رسولٌ، ولم يكن له من الجنّ قطٌّ رسول مرسل، وإنما الرسل من الإنس خاصَّة، فأما من الجن فالنُّذُر. قالوا: وإنما قال الله: (ألم يأتكم رسل منكم) ، والرسل من أحد الفريقين، كما قال:(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) ، [سورة الرحمن: ١٩] ، ثم قال:(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) ، [سورة الرحمن: ٢٢] ، وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب منهما، وإنما معنى ذلك: يخرج من بعضهما، أو من أحدهما. (١) قال: وذلك كقول القائل لجماعة أدؤُرٍ:"إن في هذه الدُّور لشرًّا"، وإن كان الشر في واحدة منهن، فيخرج الخبر عن جميعهن، والمراد به الخبر عن بعضهن، وكما يقال:"أكلت خبزًا ولبنًا"، إذا اختلطا، ولو قيل:"أكلت لبنًا"، كان
(١) هذه مقالة الفراء، انظر معاني القرآن ١: ٣٥٤، وظاهر أن الذي بعده من كلام الفراء أيضا من موضع آخر غير هذا الموضع.