للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا) ، قال: مما كان في الجاهلية يأكلون، لا أجد محرمًا من ذلك على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا.

* * *

وأما قوله: (أو دمًا مسفوحًا) ، فإن معناه: أو دمًا مُسَالا مُهَرَاقًا. يقال منه:"سفحت دمه"، إذا أرقته، أسفحه سَفْحًا، فهو دم مسفوح"، كما قال طرفة بن العبد:

إِنِّي وَجدِّكَ مَا هَجَوْتُكَ وَالْ ... أَنْصَابِ يَسْفَحُ فَوْقَهُنَّ دَمُ (١)

وكما قال عَبِيد بن الأبرص:

إذَا مَا عَادَهُ مِنْهَا نِسَاءٌ ... سَفَحْنَ الدَّمْعَ مِنْ بَعْدِ الرَّنِينِ (٢)


(١) ديوان الستة الجاهليين: ٣٤٧، من ثلاثة أبيات يعتذر بها إلى عمرو بن هند، حين بلغه أنه هجاه، فتوعده، يقول بعده: وَلَقَدْ هَمَمْتُ بِذَاكَ، إِذْ حُبِسَتْ ... وَأُمِرَّ دُونَ عَبِيدةَ الوَذَمُ
أَخْشَى عِقَابَكَ إِنْ قَدَرْتَ، وَلَمْ ... أَغْدِرْ فَيُؤْثَرَ بَيْنَنَا الكلِمُ
(٢) ديوانه: ٤٥، وكان في المطبوعة والمخطوطة: ((منا نساء)) ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه ما في الديوان، وهو من قصيدته التي لام فيها امرأته لما أعرضت عنه لما كبر وشاب، ومطت له حاجبيها استهزاء به، فذكرها به، فذكرها بما كان من ماضيه في اللهو والصبا والحرب، فكان مما ذكرها به من ذلك شأنه في الحرب، فقال: وَأَسْمَرَ قد نَصَبْتُ لِذي سَناءِ ... يَرَى مِنّي مُخَالَطَةَ اليَقِينِ
يُحَاوِلُ أَنْ يَقُومَ، وقَدْ مَضَتْهُ ... مغابنةٌ بِذِي خُرْصٍ قَتِينِ
إذَا مَا عَادَهُ مِنْهَا نِسَاءٌ ... سَفَحْنَ الدَّمْعَ من بعد الرَّنِينِ
((أسمر)) يعني رمحًا، طعن به فارسًا ذا سناء وشرف، فخالطه به مخالطة اليقين. فلما طعنه حاول أن يقوم، وقد ((مضته)) ، أي: نفذت فيه طعنة ((مغابنة)) ، تخيط لحمه وتغبنه كما يغبن الثوب، برمح ((ذي خرص)) أي سنان، ((قتين)) ، أي: محدد الرأس. فإذا عاده النساء من هذه الطعنة، صحن صياح الحزن، وذلك هو ((الرنين)) ، من هول ما رأين من أثر الطعنة، ثم سفحن الدمع لما يئسن ومن شفائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>