فإن قال قائل: وما برهانك على أن الله تعالى إنما كذب من قيل هؤلاء المشركين قولهم:"رضي الله منا عبادة الأوثان، وارأد منا تحريم ما حرمنا من الحروث والأنعام"، دون أن يكون تكذيبه إياهم كان على قولهم:(لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) ، وعلى وصفهم إياه بأنه قد شاء شركهم وشرك آبائهم، وتحريمهم ما كانوا يحرمون؟
قيل له: الدلالة على ذلك قوله: (كذلك كذب الذين من قبلهم) ، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم سلكوا في تكذيبهم نبيهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما آتاهم به من عند الله = من النهي عن عبادة شيء غير الله تعالى ذكره، وتحريم غير ما حرّم الله في كتابه وعلى لسان رسوله = مسلكَ أسلافهم من الأمم الخالية المكذبة اللهَ ورسولَه. والتكذيبُ منهم إنما كان لمكذَّب، ولو كان ذلك خبرًا من الله عن كذبهم في قيلهم:(لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ، لقال:"كذلك كذَبَ الذين من قبلهم"، بتخفيف"الذال"، وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله، لا إلى التكذيب = مع علل كثيرة يطول بذكرها الكتاب، وفيما ذكرنا كفاية لمن وُفِّق لفهمه.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، المحرِّمين ما هم له محرِّمون من الحُروث والأنعام، القائلين:(لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) ، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من الشرك وتحريم ما نحرم:"هل عندكم"،