للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المتقدم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إنّ قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا.

فإن ظن ظانّ أن العربَ، إذ كانت ربما نطقت بـ"ثم" في موضع"الواو" في ضرورة شعره، كما قال بعضهم:

سَأَلْتُ رَبِيعَةَ: مَنْ خَيْرُهَا ... أَبًا ثُمَّ أُمًّا? فَقَالَتْ: لِمَهْ? (١)

بمعنى: أبًا وأمًّا، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره= فإن ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهومٌ ووجه معروف.

* * *

وقد وجَّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل"ثم" في الكلام وهي مرادٌ بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدِّمونها في الكلام، (٢) إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم:"قام ثم عبد الله عمرو"، فأما إذا قيل:"قام عبد الله ثم قعد عمرو"، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله، إذا كان الخبر صدقًا، فقول الله تبارك وتعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا) ، نظير قول القائل:"قام عبد الله ثم قعد عمرو"، في أنه غير جائز أن يكون أمرُ الله الملائكةَ بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير، لما وصفنا قبل.

* * *

وأما قوله للملائكة: (اسجدوا لآدم) ، فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صوّرنا


(١) لم أعرف قائله.
(٢) في المخطوطة: ((وإن كان يعبر فنرنها في الكلام)) ، فلم استبن لقراءتها وجهًا أرضاه، فتركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه مستقيم المعنى إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>