للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لآدم إذ أمره بالسجود له.

غير أن في تأويل قوله: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) ، بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا، أبدأ بذكر ما قالوا، ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب.

فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد = و"لا" ها هنا زائدة، كما قال الشاعر: (١)

أبَى جُودُهُ لا البُخْلَ، وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ ... نَعَمْ، مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قَاتِلهْ (٢)

وقال: فسرته العرب:"أبى جوده البخل"، وجعلوا"لا" زائدةً حشوًا ها هنا، وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجر"البخل"، ويجعل"لا" مضافة إليه، أراد: أبى جوده"لا" التي هي للبخل، ويجعل"لا" مضافة، لأن"لا" قد تكون للجود والبخل، لأنه لو قال له:"امنع الحق ولا تعط المسكين" فقال:"لا" كان هذا جودًا منه.

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله، غير أنه زعم أن العلة في دخول"لا" في قوله: (أن لا تسجد) ، أن في أول الكلام جحدا = يعني بذلك قوله: (لم يكن من الساجدين) ، فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد، الجحدَ، كالاستيثاق والتوكيد له. قال: وذلك كقولهم: (٣)


(١) لا يعرف قائله.
(٢) اللسان (نعم) ، أمالي ابن الشجري ٢: ٢٢٨، ٢٣١، شرح شواهد المغنى ٢١٧، وكان في المخطوطة والمطبوعة: ((لا يمنع الجوع)) ، كما أثبته، وكذلك ورد عن الفارسي في اللسان. وأما في المراجع الأخرى فروايته: ((لا يمنع الجود)) .
(٣) لم يعرف قائله.

<<  <  ج: ص:  >  >>