للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأحوجه إلى أن لا يسجد له، واضطره إلى خلافه أمرَه به، وتركه طاعته = أنّ المانعَ كان له من السجود، والداعيَ له إلى خلافه أمر ربه في ذلك: أنه أشد منه أيْدًا، (١) وأقوى منه قوة، وأفضل منه فضلا لفضل الجنس الذي منه خلق، وهو النارُ، على الذي خلق منه آدم، (٢) وهو الطين. فجهل عدوّ الله وجه الحق، وأخطأ سبيل الصواب. إذ كان معلومًا أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوًّا، والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حملَ الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق، على الاستكبار عن السجود لآدم، والاستخفاف بأمر ربه، فأورثه العطبَ والهلاكَ. وكان معلومًا أن من جوهر الطين الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبُّت، وذلك الذي هو في جوهره من ذلك، (٣) كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق، إلى التوبة من خطيئته، ومسألته ربَّه العفوَ عنه والمغفرة. ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان:"أول مَنْ قاسَ إبليس"، يعنيان بذلك: القياسَ الخطأ، وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله، وبعده من إصابة الحق، في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه: من خلقه إياه بيده، ونفخه فيه من روحه، وإسجاده له الملائكة، وتعليمه أسماء كلِّ شيء، مع سائر ما خصه به من كرامته. فضرب عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا، وقصد إلى الاحتجاج بأنه خُلق من نار وخلق آدم من طين!! (٤) وهو في ذلك أيضًا له غير كفء، لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شيء غيره، فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده، ويملّ إحصاؤه؟

١٤٣٥٥- حدثني عمرو بن مالك قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن هشام، عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس، وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. (٥)

١٤٣٥٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن الحسن قوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين) ، قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

١٤٣٥٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة، دون الملائكة الذين في السموات:"اسجدوا لآدم"، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر، لما كان حدَّث نفسه، من كبره واغتراره، فقال:"لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنًّا، وأقوى خلقًا، خلقتني من نار وخلقته من طين! " يقول: إنّ النار أقوى من الطين.

١٤٣٥٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (خلقتني من نار) ، قال: ثم جعل ذريته من ماء.

* * *


(١) في المطبوعة: ((أشد منه يدا)) ، والصواب من المخطوطة، و ((الأيد)) ، القوة.
(٢) في المطبوعة: ((من الذي خلق منه آدم)) ، زاد ((من)) ، والمخطوطة سقط منها حرف الجر المتعلق بفضل الجنس، والصواب ما أُبت.
(٣) في المطبوعة: ((وذلك الذي في جوهره ... )) حذف ((هو)) ، وفي المخطوطة: ((وذلك الذي هو من جوهره من ذلك)) ، وصوابها ((في جوهره)) ، وإنما هو خطأ من الناسخ.
(٤) في المطبوعة: ((بأنه خلقه من نار)) ، واليد ما في المخطوطة.
(٥) الأثر: ١٤٣٥٥ - ((عمرو بن مالك الراسبي الغبري)) ، أبو عثمان البصري، شيخ الطبري. قال ابن عدي: ((منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث)) ، وقال ابن أبي حاتم: ((ترك أبي التحديث عنه)) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ /١ / ٢٥٩.
و ((يحيى بن سليم الطائفي)) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٤٨٩٤، ٧٨٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>