للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ آدم وحواءَ وإبليس والحية، إذ أهبطوا إلى الأرض: أنهم عدوٌّ بعضهم لبعض، وأن لهم فيها مستقرًّا يستقرون فيه، ولم يخصصها بأن لهم فيها مستقرًّا في حال حياتهم دون حال موتهم، بل عمَّ الخبرَ عنها بأن لهم فيها مستقرًّا، فذلك على عمومه، كما عمّ خبرُ الله، ولهم فيها مستقر في حياتهم على ظهرها، وبعد وفاتهم في بطنها، كما قال جل ثناؤه: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) ، [سورة المرسلات: ٢٥-٢٦] .

* * *

وأما قوله: (ومتاع إلى حين) ، فإنه يقول جل ثناؤه:"ولكم فيها متاع"، تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا، (١) وذلك هو الحين الذي ذكره، كما:-

١٤٤١٧- حدثت عن عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: (ومتاع إلى حين) ، قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا.

* * *

و"الحين" نفسه: الوقت، غير أنه مجهول القدر (٢) ، يدل على ذلك قول الشاعر: (٣)

وَمَا مِرَاحُكَ بَعْدَ الْحِلْمِ وَالدِّينِ ... وَقَدْ عَلاكَ مَشِيبٌ حِينَ لا حِينِ (٤)

أي وقت لا وقت.


(١) انظر تفسير ((المتاع)) فيما سلف ١: ٥٣٩ - ٥٤١ /١١: ٧١، تعليق: ٢. والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير ((الحين)) فيما سلف ١: ٥٤٠، ولم يذكر هذا هناك في تفسير نظيرة هذه الآية.
(٣) هو جرير.
(٤) ديوانه: ٥٨٦، وسيبويه ١: ٣٥٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٢، والخزانة ٢: ٩٤، وغيرها. مطلع قصيدة في هجاء الفرزدق، ورواية الديوان، وسيبويه: * ما بالُ جَهْلِكَ بَعْدَ الْحِلْمِ والدِّينِ *
وبعده: لِلْغَانِيَاتِ وِصَالٌ لَسْتُ قَاطِعَهُ ... عَلَى مَوَعدِهَ مِنْ خُلْفٍ وَتَلْوِينِ
إِنَّي لأَرْهَبُ تَصْدِيقَ الْوُشَاةِ بِنَا ... أَوْ أَنْ يَقُولَ غَوِىٌّ للنَّوَى: بِينِي
و ((المراح)) (بكسر الميم) : المرح والاختيال والتبختر، وذلك من جنون الشاباب واعتداده بنفسه. وكأن رواية الديوان هي الجودي.
وأنشده سيبويه شاهدًا على إلغاء ((لا)) وإضافة ((حين)) الأولى إلى ((حين)) الثانية، قال: فإنما هو حين حين، و ((لا)) بمنزلة ((ما)) إذا ألغيت.
وهذا الذي ذكر أبو جعفر هو أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢١٢، وجاء بالبيت كما رواه هنا، وان كان في مطبوعة مجاز القرآن: ((وما مزاحك)) بالزاي، وهو خطأ مطبعي فيما أظن.

<<  <  ج: ص:  >  >>