للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) }

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها، الجنة التي أعدّها الله لأوليائه المؤمنين أبدًا، كما لا يلج الجمل في سمِّ الخياط أبدًا، وذلك ثقب الإبرة.

* * *

وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك، فإن العرب تسميه"سَمًّا" وتجمعه"سمومًا"، و"السِّمام"، في جمع"السَّم" القاتل، أشهر وأفصح من"السموم". وهو في جمع"السَّم" الذي هو بمعنى الثقب أفصح. وكلاهما في العرب مستفيض. وقد يقال لواحد"السموم" التي هي الثقوب"سَمٌّ" و"سُمٌّ" بفتح السين وضمها، ومن"السَّم" الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق:

فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا ... وَقُلْتُ لَهُ: لا تَخْشَ شَيْئًا وَرَائِيا (١)

يعني بسمِّيه، ثقبي أنفه.

* * *


(١) ديوانه: ٨٩٥، النقائض: ١٦٩، واللسان (سمم) ، من أول قصيدة هاجى بها جريرًا، ونصر البعيث وهجاه معًا. وكان الذي هاج الهجاء بين جرير والفرزدق، أن البعيث المجاشعي، سرقت إبله، سرقها ناس من بني يربوع، من رهط جرير، فطلبها البعيث حتى وجدها في أيديهم، فأرسل لسانه في بني يربوع، فاعترضه جرير، فهجاه، فانبعث الشر بالبعيث، فانطلق الفرزدق بعد قليل ينصره، فقال هذه القصيدة يهجو جريرًا، وينصر البعيث ويهجوه، فيقول للبعيث: دَعَانِي ابْنُ حَمْرَاءِ العِجَانِ وَلَم يَجِدْ ... لَهُ إذْ دَعَا، مُسْتأْخِرًا عَنْ دُعَائيا
فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ............... ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
((نفس عنه)) ، فرج عنه كربته إذ أطبق عليه جرير، فاستنقذه من تحت وطأته. فاستطاع أن يتنفس. وقوله: ((لا تخش شيئًا ورائيا)) ، أي: لا تخش ما دمت درعًا لك وأنت من ورائي تحتمي بلساني وهجائي جريرًا. وأما قول أبي عبيدة: ((أي لا تخش شيئًا يأتيك من خلفي)) ، فليس عندي بشيء.
وكان في المطبوعة: ((شيئًا وراءنا)) ، لم يحسن قراءة المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>