للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

، و"دعى وأدعياء". ولو جمعوه على أصله الذي هو أصله، وعلى أن الواحد"نبيء" مهموز، لجمعوه على"فعلاء"، فقيل لهم"النبآء"، على مثال"النبهاء"، (١) لأن ذلك جمع ما كان على فعيل من غير ذوات الياء والواو من النعوت، كجمعهم الشريك شركاء، والعليم علماء، والحكيم حكماء، وما أشبه ذلك. وقد حكي سماعا من العرب في جمع"النبي""النبآء"، وذلك من لغة الذين يهمزون"النبيء"، ثم يجمعونه على"النبآء" - على ما قد بينت. ومن ذلك قول عباس بن مرداس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.

يا خاتم النبآء إنك مرسل ... بالخير كلُّ هدى السبيل هداكا (٢)

فقال:"يا خاتم النبآء"، على أن واحدهم"نبيء" مهموز. وقد قال بعضهم: (٣) "النبي" و"النبوة" غير مهموز، لأنهما مأخوذان من " النَّبْوَة "، وهي مثل " النَّجْوَة "، وهو المكان المرتفع، وكان يقول: إن أصل"النبي" الطريق، ويستشهد على ذلك ببيت القطامي:

لما وردن نَبِيَّا واستَتَبّ بها ... مُسْحَنْفِر كخطوط السَّيْح مُنْسَحِل (٤)


(١) في المطبعة: "النبعاء" وفي المخطوطات"النبآء".
(٢) من أبيات له في سيرة ابن هشام ٤: ١٠٣ وغيرها. والضمير الفاعل في قول"هداكا"، لله سبحانه وتعالى، دل عليه ما في قوله"إنك مرسل بالخير"، فإن الله هو الذي أرسله. وهو مضبوط في أكثر الكتب"كل" بالرفع، و"هدى"، و"هداكا" بضم الهاء.
(٣) كأنه يريد الكسائي (البحر المحيط ١: ٢٢٠) . ووجدت في معجم البلدان ٨: ٢٤٩"وقال أبو بكر بن الأنباري في"الزاهر" في قول القطامي. . إن النبي في هذا البيت هو الطريق"، وليس يعنيه أبو جعفر، فإن أبا بكر قد ولد سنة ٢٧١ وتوفى ٣٢٨. وقد رد هذا القول أبو القاسم الزجاج - فيما نقل ياقوت - فقال: "كيف يكون ذلك من أسماء الطريق، وهو يقول: "لما وردن نبيا"، وقد كانت قبل وروده على الطريق؟ فكأنه قال: "لما وردن طريقا"، وهذا لا معنى له، إلا أن يكون أراد طريقا بعينه في مكان مخصوص، فيرجع إلى أنه اسم مكان بعينه، قيل: هو رمل بعينه، وقيل: هو اسم جبل". وانظر تحقيق ذلك في معجم البلدان، ومعجم ما استعجم، وغيرهما.
(٤) ديوان: ٤، في قصيدته الجيدة المشهورة، والضمير في"وردن" للإبل ذكرها قبل. وروايته"واستتب بنا". نبي كثيب رمل مرتفع في ديار بني تغلب، ذكره القطامي في كثير من شعره. واستتب الأمر والطريق: استوى واستقام وتبين واطراد وامتد. مسحنفر، صفة للطريق: واسع ممتد ذاهب بين. والسبح: ضرب من البرود أو العباء مخطط، يلبس، أو يستتر به ويفرش. شبه آثار السير عليها بخطوط البرد. وسجلت الريح الأرض فانسحلت: كشطت ما عليها. ووصف الطريق بذلك، لأنه قد استتب بالسير وصار لاحبا واضحا.

<<  <  ج: ص:  >  >>