للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعض نحويي الكوفة: قيل: "يا ابن أمَّ" و "يا ابن عمَّ"، فنصب كما ينصب المعرب في بعض الحالات، فيقال: "يا حسرتا"، "يا ويلتا". قال: فكأنهم قالوا: "يا أماه"، و"يا عماه"، ولم يقولوا ذلك في "أخ"، ولو قيل ذلك لكان صوابًا. قال: والذين خفضوا ذلك، فإنه كثر في كلامهم حتى حذفوا الياء. قال: ولا تكاد العرب تحذف "الياء" إلا من الاسم المنادَى يضيفه المنادِي إلى نفسه، إلا قولهم: "يا ابن أمِّ" و"يا ابن عمِّ"، وذلك أنهما يكثر استعمالهما في كلامهم، فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا "الياء" فقالوا: "يا ابن أبي" و"يا ابن أختي، وأخي"، و"يا ابن خالتي"، و"يا ابن خالي". (١)

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إذا فتحت "الميم" من "ابن أم"، فمرادٌ به الندبة: يا ابن أماه، وكذلك من "ابن عم". فإذا كسرت فمرادٌ به الإضافة، ثم حذفت "الياء" التي هي كناية اسم المخبر عن نفسه. وكأن بعض من أنكر تشبيه كسر ذلك إذا كسر ككسر الزاي من "خاز باز"، (٢) لأن "خاز باز" لا يعرف الثاني إلا بالأول، ولا الأول إلا بالثاني، فصار كالأصوات.

وحكي عن يونس الجرمي تأنيث "أم" وتأنيث "عم"، (٣) وقال: لا يجعل اسمًا واحدًا إلا مع "ابن" المذكر. قالوا: وأما اللغة الجيدة والقياسُ الصحيح، فلغة من قال: "يا ابن أمي" بإثبات "الياء"، كما قال أبو زبيد:

يَا ابْنَ أُمِّي، وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسِي أَنْتَ خَلَّفْتَني لِدَهْرٍ شَدِيدِ (٤)


(١) (١) هذه كلها مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٣٩٤.
(٢) (٢) في المطبوعة والمخطوطة: ((من أنكر نسبته كسر ذلك ... )) ، وصواب قراءته ما أثبته ((تشبيه)) .
(٣) (٣) ((يونس الجرمى)) ، هكذا جاء هنا أيضاً، وانظر ما سلف ١٠: ١٢٠، تعليق: ١، ثم ١١: ٥٤٤، تعليق: ٣، وما سيأتي ص: ١٣٨.
(٤) (٤) أمالي اليزيدي ٩، جمهرة أشعار العرب: ١٣٩ واللسان (شقق) ، وشواهد العينى (هامش خزانة الأدب) : ٤: ٢٢٢، وغيرها. من قصيدة مختارة، يرثى ابن أخته اللجلاج، ويقال: يرثى أخاه اللجلاج، ويروى البيت: يَا ابْنَ خَنْسَاء، شِقَّ نَفْسِيَ يَا لَجْلاجُ، خَلَّيْتَنِى لِدَهْرٍ شَدِيدِ وأما هذه الرواية، فهي رواية النحاة جميعًا في كتبهم في باب النداء. يقول فيها: كُلَّ مَيْتٍ قَدِ اغْتَفَرْتُ، فلا أُو ... جع مِنْ وَالِدٍ وَلا مَوْلُودِ
غَيْرَ أَنَّ اللَّجْلاجَ هَدَّ جَنَاحِي ... يَوْمَ فَارَقْتُهُ بِأَعْلَى الصَّعِيدِ
فِي ضَرٍيحٍ عَلَيْهِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ ... مِنْ تُرَابٍ وجَنْدَلٍ مَنْضُودِ
عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ صَدٍ ... حَرَّ انَ يَدْعُو بِاللَّيْلِ غَيْرَ مَعُودِ
صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ ... وَلَقَدْ كَانَ عُصْرة المَنْجُودِ
وقوله: ((شقيق)) تصغير ((شقيق)) ، وهو الأخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>