١- جاء في سيرة ابن هشام، عن ابن إسحق: ((ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا، حتي نزل الجعرانة، فيمن كان معه من الناس، ومعه من هوازن سبى كثير)) . ومثله في تاريخ الطبري ٣: ١٣٤، عن ابن إسحق. فهذا موضع لا شك أنه في جزيرة العرب، ذكره البكري في معجم ما استعجم: ٥٤٥، ٥٤٦، ولم يخلطه بغيره، وضبطه بفتح الدال، وسكون الحاء المهملة، وفتح النون، علي وزن ((فعلى)) . وأما ياقوت في معجمه، فضبطها مثله ثم قال: ((ويروى فيها القصر والمد)) . وقال البكري في تحديدها: ((موضع بسيف البحر)) ، ثم عاد فذكر خبر ابن أسحق في سيرته. ثم قال: ((هكذا وقع في كتاب السير، بالنون، وكذلك ذكره الطبري وليس هناك سيف. وأنا أراه أراد: ((سلك علي دحي)) ، المتقدم ذكره ولولا أنه غير محدد عندنا، لارتفع الارتباب (بفتح الدال وسكون الحاء بعدها ياء) هكذا ذكره البكري في معجمه: ٣٤٧ وقال: ((موضع، ذكره أبو بكر)) ، ولم يبين. وأما ياقوت فقال في ((دحنا)) : ((هي من مخاليف الطائف)) ، ولم يذكر ترجمة (دحى) التي ذكرها البكرى. وظني أن البكرى نقل قوله: ((موضع بسيف البحر)) ، من بعض شراح الشعر، فأنه أنشد شعر ربيعة بن جحدر الهذلى اللحيانى: َلَوْ رَجُلا خَادَعْتُه لَخَدَعْتُه ... ولكنَّما حوتًا بدحنا أقامس أقول له، كيما أخالف روغه: ... وراءك ملْ أروى شياه كوانس فكأن شارح الشعر جعله موضعاً لسيف البحر، لقوله: ((حوتا بد حنا أقامس)) ، وليس ذلك لزاماً، إلا أن تكون ((دحنا)) موضع آخر غير المذكور في السيرة. وأنشد أيضا عن الأصمعى: وصاحب لى بدحنى، أيما رجل ... أنى قتلت وأنت الفارس البطل! ومهما يكن من شيء، فهو موضع ببلاد العرب لاشك فيه، وهو بمعزل عن ((دحنا)) الأخرى كما سترى بعد. ٢- وأما ((دحنا)) الأخرى، المذكورة في هذا الخبر، فهي موصوفة فيه أنها ((بأرض الهند)) وذكرها البكرى في مادة (واشم) : ١٣٦٤، قال: ((قال ابن إسحق: يذكر أهل العلم أن مهبط آدم وحواء، علي جبل يقال له وأشم، من أرض الهند، وهو اليوم وسط بين قراها، بين الدهنج والمندل)) ، وذكره الطبري في تاريخه ١: ٦٠، وفيه: ((وأما أهل التوراة فانهم قالوا: أهبط آدم بالهند، على جبل يقال له: واسم، عند واد يقال له: بهيل، بين الدهنج والمندل، بلدين بأرض الهند)) . وهو نص ابن إسحق كما رواه بإسناده فالأخبار التي ورد فيها ذكر هبوط آدم، أو خلقه، وفيها ((دحنا)) ، ولم يبين موضعها، تبينها هذه الأخبار التي ذكرت ذلك، وبينت أنه بأرض الهند. و ((دحنا)) بالحاء المهلة، هي ((دهنج)) في الأخبار التي ذكرتها قبل، معربة. وهكذا جاءت في المراجع ((دحنا)) بالحاء المهملة، ولكن رواة كتب اللغة رووا لنا في خبر ابن عباس: ((إن الله مسح ظهر آدم بدجناء، وهو اسم موضع، ويروى بالحاء المهملة)) ، هكذا ذكر صاحب لسان العرب في (دجن) ثم في " دحن "، وقال: ((وهو بين الطائف ومكة)) فهذا أول الخلط وإنما هو موضع بالهند في هذا الخبر أما الذي "بين الطائف ومكة"، فهو ((دحنا)) العربية التي ذكرناها أولا. وقال صاحب القاموس: ((ودجني، بالضم أو بالكسر، وقد يمد، أرض خلق منها آدم عليه السلام، أو هي بالحاء المهملة)) ثم ذكرها في (دحن) وقال: ((ودحنى في د ج ن)) ، يعنى أنه هو هو، وبضم الدال. وعلق الزبيدى في تاج العروس وقال: ((وقد جاء ذكرها في سيرة ابن إسحاق، في انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف على دجناء. وجاء في حديث ابن عباس: إن الله خلق آدم من دجناء، فمسح ظهره بنعمان الأراك. وكان مسح ظهره بعد خروجه من الجنة، بالأتفاق من الروايات)) ، كل ذلك ذكره بالجيم. فخلط أيضا بين الموضعين، الموضع الذي في السيرة، وموضع خلق آدم أو مهبطة. وإنما خلط اتباعاً للسهيلي في الروض الأنف ٢: ٣٠٥. وسبب هذا الخلط بلا ريب، هو ذكر ((نعمان الأراك)) في خبر خلق آدم، و ((نعمان الأراك)) بأرض العرب، فقال من لم يجمع أخبار الخلق أن ((دحنا)) بأرض العرب، ولم ينظر فيما جاء في رواية الخبر الأخرى أنها بأرض الهند. هذا، وظني أن ((دحنا)) ، و ((دجنا)) بالقصر والمد، هو تعريب في ((دهنج)) التي مضى ذكرها، وهي الأرض التي بالهند، أما التي ببلاد العرب، فهي ((دحنا)) بالحاء، لاغير. وهذا كافي إن شاء الله في تحقيق هذه الكلمة. (٢) الأثر: ١٥٣٤٢ - ((عمرو)) ، هو: ((عمرو بن على الفلاس)) ، مضى مرارًا كثيرة. و ((عمران بن عيينة)) ، هو أخو: ((سفيان بن عيينة)) الإمام المشهور. قال ابن معين وأبو زرعة: ((صالح الحديث)) . وأما ابن أبي حاتم، فقال: ((لا يحتج بحديثه، لأنه يأتي بالمناكير)) . وقال لعقيلى: ((في حديثه وهم)) . وقد مضى برقم: ٤١٨٩، ١٠٥٨٠. وهذا الخبر، رواه أبو جعفر مختصراً في تاريخه ١: ٦٠، وابن سعد مختصراً ١ / ١ / ٥، وسيأتي برقم: ١٥٣٤٣، من رواية وكيع، عن عمران، عن عطاء، وليس فيه ذكر ((دحنا)) . بأسانيد أخر رقم: ١٥٣٤٦، ١٥٣٤٧، عن غير عمران، عن عطاء.