للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) [التوبة: ٧٥] ، ونبذوا ذلك وراء ظهورهم

* * *

ومن شأن العرب استعارة الكلمة ووضعها مكان نظيرها، كما قال أبو خراش الهذلي: (١)

فليس كعهد الدار يا أم مالك ... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل (٢) وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى الحق شيئا واستراحل (٣)

يعني بقوله:"أحاطت بالرقاب السلاسل"، أن الإسلام صار - في منعه إيانا ما كنا نأتيه في الجاهلية، مما حرمه الله علينا في الإسلام - بمنزلة السلاسل المحيطة برقابنا، التي تحول بين من كانت في رقبته مع الغل الذي في يده، وبين ما حاول أن يتناوله.

ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى. فكذلك قوله: (ثم توليتم


(١) كان في المطبوعة: "قال أبو ذؤيب الهذلي"، وهو خطأ فاضح، لا يقع في مثله مثل أبي جعفر.
(٢) ديوان الهذليين ٢: ١٥٠، وسيرة ابن هشام ٤: ١١٦، والأغاني ٢١: ٤١، والكامل ١: ٢٦٧. وهي أبيات جياد في رثاء صديق. وذلك أن زهير بن العجوة الهذلي من بني عمرو بن الحارث - وكان ابن عم ابي خراش، وله صديقا - خرج يطلب الغنائم يوم حنين فأسر، وكتف في أناس أخذهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآه جميل بن معمر الجمحي - وكانت بينهما إحنة في الجاهلية - فقال له: أنت الماشي لنا بالمغايظ؟ فضرب عنقه، فقال أبو خراش يرثيه. وقال لجميل بن معمر: وإنك لو واجهته إذ لقيته ... فنازلته، أو كنت ممن ينازل
لظل جميل أسوأ القوم تلة ... ولكن قرن الظهر للمرء شاغل
فليس كعهد. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي المطبوعة: "فليس لعهد الدار" خطأ. ويعني بقوله: "الدار": مكة وما حولها وما جاورها. يقول: ليس الأمر كما عهدت بها وعهدتا، جاء الإسلام فهدم ذلك كله.
(٣) يقول: فارق الفتى أخلاق فتوته وعرامه، وصار كالكهل في أناته وتثبته، فإن الدين قد وقذ الفتيان ذوى البأس وسكنهم من مخافة عقاب ربهم في القتل من غير قتال ومعركة. فاستراحت العواذل لأنهن أصبحن لا يجدن ما يعذلن فيه أزواجهن من التعرض للهلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>