للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) ، [سورة فصلت: ٢٦] . وذلك نظير وصف الله إياهم في موضع آخر بقوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ، [سورة البقرة: ١٧١] .والعرب تقول ذلك للتارك استعمالَ بعض جوارحه فيما يصلح له، ومنه قول مسكين الدارمي:

أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي السِّتْرُ (١) وَأَصَمُّ عَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا ... سَمْعِي وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرِ

فوصف نفسه لتركه النظر والاستماع بالعمى والصمم. ومنه قول الآخر: (٢) وَعَوْرَاءُ اللِّئَامِ صَمَمْتُ عَنْهَا ... وَإِنِّي لَوْ أَشَاءُ بِهَا سَمِيعُ (٣) وَبَادِرَةٍ وَزَعْتُ النَّفْسَ عَنْهَا ... وَقَدْ تَثِقَتْ مِنَ الْغَضَبِ الضُّلُوعُ (٤)


(١) أمالي المرتضى ١: ٤٣: ٤٤ ثم ٤٧٤، من قصيدة رواها وشرحها، وخزانة الأدب ١: ٤٦٨، وصواب رواية البيت الأول: ((جارتى الخدر)) ، لأن قبله: ما ضر جارى إذ أجاوره ... أن لا يكون لبيته ستر
ورواية الشطر الثاني: ((سمعى، وما بى غيره وقر)) ، بغير إقواء.
(٢) هو عبد الله بن مرة العجلي.
(٣) حماسة البحترى: ١٧٢، وأنسيت أين قراتها في غير الحماسة. والذي في حماسة البحترى: ((وعوراء الكلام)) ، وكانت في المخطوطة: و ((عوراء اللام)) ، وكأن الصواب ما في الحماسة.
و ((العوراء)) ، الكلمة القبيحة، أو التي تهوى جهلا في غير عقل ولا رشد. ومن أجود ما قيل في ذلك، قول حاتم الطائي، أو الأعور الشني:وعَوْرَاءُ جَاءَتْ مِنْ أخٍ فَرَدَدْتُها ... بسَالِمَةِ العَيْنين طَالِبة عُذْرَا
ولو أنَّنى إذ قَالها قلتُ مثلَها ... ولم أعْفُ عنها، أوْرَثتْ بيْنَنَا غَمْرَا
فأعْرَضْتُ عَنْهُ وانتظرتُ به غَدا ... لعلَّ غدًا يُبْدِي لمنتظرٍ أمْرَا
وقلتُ له: عد بالأخوة بينَنا! ... ولم أتَّخِذ ما كان من جَهْلِه قمرَا
لأنزع ضبًّا كامنًا في فؤادِه ... وأُقَلِّمُ أظفارًا أطَالَ بها الحفرَا
(٤) في المطبوعة: ((ولو بنيت من العصب)) ، وهو كلام فاسد، غير ما في المخطوطة، وكان فيها ((وقد نتقت من العصب)) ، غير منقوطة، فلم يفهمها، فأتى بما لا يعقل. وفي حماسة البحترى: ((إذا تيقت)) ، ووضع كسرة تحت التاء، وفتح القاف. ولا معنى له.
و ((البادرة)) ، الخطأ والسقطات التي تسبق من المرء إذا ما غضب واحتد، من فعل أو قول.
و (وزع النفس عن الشيء)) ، كفها وحبسها. و ((تئق الرجل)) ، امتلأ غضباً وغيظاً. و ((التأق)) ، شدة الامتلاء حتى لا موضع لمزيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>