للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٥٥١٣ - حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت حوّاء لا يعيش لها ولد، فنذرت لئن عاش لها ولد لتسمينه "عبد الحارث"، فعاش لها ولد، فسمته "عبد الحارث"، (١) وإنما كان ذلك عن وحي الشيطان. (٢)


(١) في المطبوعة: ((من وحي الشيطان)) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الموافق لما في المراجع.
(٢) الأثر: ١٥٥١٣ - ((عبد الصمد)) هو ((عبد الصمد بن عبد الوارث)) . مضى مرارًا.
و ((عمر بن إبراهيم العبدى)) ، وثقه أحمد وغيره، ولكنه قال: ((يروى عن قتادة أحاديث مناكير، يخالف)) . وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)) ، وقال ابن عدى: يروى عن قتادة أشياء لا يوافق عليها، وحديثه خاصة عن قتادة مضطرب)) . وذكره ابن حبان في الثقاب وقال: ((يخطئ، ويخالف)) . ثم ذكره في الضعفاء فقال: ((كان ممن ينفرد عن قتادة بما لا يشبه حديثه. فلا يعجبنى الاحتجاج به إذا انفرد. فأما فيما روى الثقات، فإن اعتبر به معتبر لم أر بذلك بأساً)) ، وقال الدارقطني: (لين، يترك)) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ٩٨، وميزان الاعتدال ٢: ٢٤٨.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده ٥: ١١، بغير هذا اللفظ، ورواه بهذا اللفظ الحاكم في المستدرك ٢: ٥٤٥، وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي. وأخرجه الترمذي في تفسير الآية وقال: ((هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، عن قتادة. وقد رواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه)) .
وخرجه ابن كثير في تفسيره ٣: ٦١١، ٦١٢، وأعله من ثلاثة وجوه:
الأول: أن عمر بن إبراهيم لا يحتج به =
الثاني: أنه قد روى من قول سمرة نفسه غير مرفوع
= الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، وذكر بعض أخبار أبي جعفر بأسانيدها رقم ١٥٥٢٦ - ١٥٥٢٨، ثم قال: ((وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية. ولو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره، ولاسيما مع تقواه وورعه. فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم، مثل كعب أو وهب بن منيه وغيرهما، كما سيأتي بيانه إن شاء الله، إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع، والله أعلم)) .
قلت: وسترى أن أبا جعفر قد رجح أن المعني بذلك آدم وحواء، قال: ((لإجماع الحجة من أهل التأويل علي ذلك)) . وإجماع أهل التأويل في مثل هذا، مما لا يقوم الأول: لأن الآية مشكلة، ففيها نسبة الشرك إلى آدم الذي اصطفاه ربه، بنص كتاب الله، وقد أراد أبو جعفر أن يخرج من ذلك، فزعم (ص: ٣١٥) أن القول عن آدم وحواء انقضى عند قوله: ((جعلا له شركاء فيما آتاهما، ثم استأنف قوله: ((فتعالى الله عما يشركون)) ، يعنى عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان.وهذا مخرج ضعيف جداً.
الثاني أن مثل هذا المشكل في أمر آدم وحواء، ونسبة الشرك إليهما، مما لا يقضى به، إلا بحجة يجب التسليم لها من نص كتاب، أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا خبر بذلك، إلا هذا الخبر الضعيف الذي بينا ضعفه، وأنه من رواية عمر بن إبراهيم، عن قتادة. وروايته عن قتادة مضطربة، خالف فيها ما روى عن الحسن، أنه عنى بالآية بعض أهل الملل والمشركون.
هذا، وقد رد هذا القول، جماعة من المفسرين، كابن كثير في تفسيره، والفخر الرازي (٣: ٢٤٣ - ٣٤٥) ، وحاول الزمخشرى في تفسيره أن يرده فلم يحسن، وتعقبه أحمد بن محمد بن المنير في الإنصاف. وغير هؤلاء كثير.
ولكن بعد هذا كله، نجد إن تفسير ألفاظ الآية، ومطابقته للمعنى الصحيح الذي ذهب العلماء إليه في نفي الشرك عن أبينا آدم عليه السلام، وفي أن الآية لا تعنى أبانا آدم وأمنا حواء = بقى مبهماً، لم يتناوله أحد ببيان صحيح. وكنت أحب أن يتيسر لى بيانه في هذا الموضع، ولكنى وجدت الأمر أعسر من أن أتكلم فيه في مثل هذا التعليق.

<<  <  ج: ص:  >  >>