فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض المكيين والكوفيين:"جَعَلا لَهُ شِرْكًا" بكسر الشين، بمعنى الشَّرِكَة. (١)
* * *
وقرأه بعض المكيين وعامة قرأة الكوفيين وبعض البصريين:(جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ) ، بضم الشين، بمعنى جمع "شريك".
* * *
قال أبو جعفر: وهذه القراءة أولى القراءتين بالصواب، لأن القراءة لو صحت بكسر الشين، لوجب أن يكون الكلام: فلما أتاهما صالحًا جعلا لغيره فيه شركًا =لأن آدم وحواء لم يدينا بأن ولدهما من عطية إبليس، ثم يجعلا لله فيه شركًا لتسميتهما إياه ب "عبد الله"، وإنما كانا يدينان لا شك بأن ولدهما من رزق الله وعطيته، ثم سمياه "عبد الحارث"، فجعلا لإبليس فيه شركًا بالاسم.
فلو كانت قراءة من قرأ:"شِرْكًا"، صحيحة، وجب ما قلنا، أن يكون الكلام: جعلا لغيره فيه شركًا. وفي نزول وحي الله بقوله:(جعلا له) ، ما يوضح عن أن الصحيح من القراءة:(شُرَكَاء) ، بضم الشين على ما بينت قبل.
* * *
فإن قال قائل: فإن آدم وحواء إنما سميا ابنهما "عبد الحارث"، و"الحارث" واحد، وقوله:(شركاء) ، جماعة، فكيف وصفهما جل ثناؤه بأنهما "جعلا له شركاء"، وإنما أشركا واحدًا!
قيل: قد دللنا فيما مضى على أن العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة، إذا لم تقصد واحدًا بعينه ولم تسمِّه، كقوله:(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) ، [سورة آل عمران: ١٧٣] وإنما كان القائل ذلك واحدًا،