للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(١)

* * *


(١) أخشى أن يكون في هذا الموضع من التفسير نقص، فإني وجدت ابن كثير (٤: ٣٢) قد ذكر في تفسير هذه الآية ما نسبه إلى ابن جرير، وهذا نصه بترتيبه وتعليقه:
وههنا قولان آخران غريبان جدًّا:
أحدهما: قال ابن جرير: حدثني محمد بن عوف الطائي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن جبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ابن أبي الحقيق بخيبر، دعَا بقوس، فأتِىَ بقوسٍ طويلة، وقال: جيئوني بقوس غيرها. فجاؤوه بقوسٍ كَبْداء، فرمى النبيّ صلى الله عليه وسلم الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق، وهو في فراشه، فأنزل الله " وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ".
وهذا غريب، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ولعله اشتبه عليه، أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدرٍ لا مَحالة، وهذا مما لا يخفي على أئمة العلم، والله أعلم.
والثاني: روى ابن جرير أيضًا، والحاكم في مستدركه، بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيّب والزهري أنهما قالا: أنزلت في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ أُبَيَّ بن خلفٍ بالحربة في لأْمَته، فخدشه في تَرْقُوَته، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارًا. حتى كانت وفاتُه بعد أيام قاسى فيها العذاب الأليمَ، موصولا بعذابِ البرزخ، المتصل بعذاب الآخرة.
وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضًا جدًّا، ولعلهما أرادَا أن الآية تتناوله بعمومها، لا أنها نزلت فيه خاصة، كما تقدم، والله أعلم ".
قلت: والخبر الأول منهما، رواه الواحدي في أسباب النزول: ١٧٤ من طريق " صفوان بن عمرو، عن عبد العزيز بن جبير "، وقوله: " عبد العزيز "، خطأ، صوابه ما في تفسير ابن كثير.
ثم إن السيوطي في الدر المنثور ٣: ١٧٥، خرج هذين الخبرين منسوبين إلى ابن جرير أيضًا، وزاد نسبته الأول منهما إلى ابن أبي حاتم. وذكر الثاني وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.
ثم زاد السيوطي في الدر المنثور، وهذان الخبران أنقلهما أيضًا بنصهما منه:
الأول: " أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن المسيّب قال: لما كان يوم أُحُد، أخذ أبيُّ بن خلفٍ يركض فرسه حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترض رجالٌ من المسلمين لأبيّ بن خلف ليقتلوه. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأخروا! استأخرُوا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حربته في يده فرمى بها أبيّ بن خلف، وكسر ضِلْعًا من أضلاعه، فرجع أبيّ بن خلف إلى أصحابه ثقيلا، فاحتملوه حين وَلَّوا قافلين، فطفقوا يقولون: لا بأس! فقال أبيّ حين قالوا ذلك: والله لو كانت بالناس لقتلتهم! ألم يقلْ: إنِّي أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه يَنْعَشونه حتى مات ببعض الطريق، فدفنوه.
قال ابن المسيب: وفي ذلك أنزل الله تعالى: " وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الآية".
الثاني: " وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن الزهري في قوله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى. قال: حيث رمَى أبيَّ بنَ خلف يوم أُحُدٍ بحربته، فهذا كله، يوشك أن يرجح سقوط شيء من أخبار أبي جعفر في هذا الموضع. إلا أن تكون هذه الأخبار ستأتي فيما بعد في غير هذا الموضع. أما فيما سلف، فإن خبر " أبي بن خلف " قد مضى في حديث السدى رقم: ٧٩٤٣ (ج ٧: ٢٥٥)
والخبر الأول رواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣٢٧، من طريق محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>