ولكن جائز أن يكون الخبران الأولان، في شأن آخر، وليلة أخرى، بل أكاد أقطع أن الخبر الذي رواه ابن جريج، لا علاقة له بأمر الهجرة، وأن ابن كثير تابع للطبري فيما ظنه ظنًا وذلك أن ابن إسحاق وغيره، رووا أن أشراف قريش اجتمعوا يوما في الحجر، فذكروا رسول الله، وزعموا أنهم صبروا منه على أمر عظيم. فبينا هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت، فغمزوه ببعض القول. فعرف الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم. فلما مر بهم الثانية، غمزوه بمثلها، ثم مر الثالثة، ففعلوا فعلتهم، فوقف ثم قال: " أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح ". فاستكانوا ورفأوه بأحسن القول رهبة ورغبة. فلما كان الغد، اجتمعوا في الحجر فقال بعضهم لبعض: " ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه ". فبينا هم كذلك، طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه رجل واحد، وأحاطوا به يقولون: " أنت الذي تقول كذا وكذا؟ "، لما كان من عيب آلهتهم، فيقول: " نعم، أنا الذي أقول ذلك "، فأخذ بعضهم بمجمع ردائه، فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول: " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله "! (سيرة ابن هشام ١: ٣٠٩، ٣١٠) ، وانظر الخبر التالي رقم: ١٥٩٧٤، والتعليق عليه. وكان هذا قبل الهجرة بزمان طويل، في حياة أبي طالب. فكأن هذا الخبر، هو الذي قال عبيد بن عمير في روايته عن المطلب بن أبي وداعة أنه ائتمار قومه به. فإذا صح ذلك، لم يكن لما قال ابن كثير وجه، ولصح هذا الخبر لصحة إسناده.