للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم، وهم يصدون عن المسجد الحرام؟ ". فأعلمه جل ثناؤه أن الذي استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، (١) وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذابَ في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون. بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر، الدليلُ الواضحُ على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجَّه قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، إلى أنه عُنى به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم، وعما الله فاعل بهم. ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضَّى، وعلى ذلك [كُنِي] به عنهم، (٢) وأن لا خلاف في تأويله من أهله موجودٌ.

وكذلك أيضًا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام"، الآية، لأن قوله جل ثناؤه: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" خبرٌ، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي.

* * *


(١) في المطبوعة: " أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم "، وفي المخطوطة كما أثبته إلا أنه كتب مكان " حائق " " حاق "، وهو سهو.
(٢) في المطبوعة: " وعلى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف في تأويله "، وفي المخطوطة، كما أثبته، إلا أنه سقط منه [كني] كما أثبته بين القوسين. وإن كنت أظن في الكلام سقطًا.
هذا وقد ذكر أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: ١٥٤، هذا الرأي، ثم قال: " جعل الضميرين مختلفين، وهو قول حسن، وإن كان محمد بن جرير قد أنكره، لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر، فيكنى عنهم. وهذا غلط، لأنه قد تقدم ذكر المؤمنين في غير موضع من السورة.
فإن قيل: لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع.
فالجواب: أن في المعنى دليلا على ذكرهم في هذا الموضع. وذلك أن من قال من الكفار: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء "، إنما قال ذلك مستهزئًا ومتعنتًا. ولو قصد الحق لقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له = ولكنه كفر وأنكر أن يكون الله يبعث رسولا بوحي من الله، أي: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأهلك الجماعة من الكفار والمسلمين. فهذا معنى ذكر المسلمين، فيكون المعنى: كيف يهلك الله المسلمين؟ فهذا المعنى: " ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يعني المؤمنين = " وما لهم ألا يعذبهم الله "، يعني الكافرين ".

<<  <  ج: ص:  >  >>