ذلك قوله:(الآن خفف الله عنكم) ، فلم يكن التخفيف إلا بعد التثقيل. ولو كان ثبوت العشرة منهم للمئة من عدوهم كان غير فرض عليهم قبل التخفيف، وكان ندبًا، لم يكن للتخفيف وجه، لأن التخفيف إنما هو ترخيص في ترك الواحد من المسلمين الثبوتَ للعشرة من العدو. وإذا لم يكن التشديد قد كان له متقدِّمًا، لم يكن للترخيص وجه، إذ كان المفهوم من الترخيص إنما هو بعد التشديد. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن حكم قوله:(الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) ، ناسخ لحكم قوله:(إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا) . وقد بينا في كتابنا "البيان عن أصول الأحكام"، (١) أن كل خبرٍ من الله وعد فيه عباده على عملٍ ثوابًا وجزاء، وعلى تركه عقابًا وعذابًا، وإن لم يكن خارجًا ظاهرُه مخرج الأمر، ففي معنى الأمر= بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله:(وعلم أن فيكم ضعفًا) .
فقرأه بعض المدنيين وبعض البصريين:(وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا) ، بضم "الضاد" في جميع القرآن، وتنوين "الضعف" على المصدر من: "ضَعُف الرجل ضُعْفًا".
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين:(وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) ، بفتح "الضاد"، على المصدر أيضًا من "ضَعُف".
* * *
وقرأه بعض المدنيين:(ضُعَفَاء) ، على تقدير "فعلاء"، جمع "ضعيف" على "ضعفاء"، كما يجمع "الشريك"، "شركاء"، و"الرحيم"، "رحماء".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك بالصواب، قراءة من قرأه: (وَعَلِمَ
(١) في المطبوعة: " كتاب لطيف البيان "، وأثبت ما في المخطوطة، والكتاب هو هو.