الحرم كان يبيح قتل كل مشرك، كان له عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لم يكن له منه عهد، وذلك قوله:(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ، [سورة التوبة: ٧] ، فهؤلاء مشركون، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالاستقامة لهم في عهدهم، ما استقاموا لهم بترك نقض صلحهم، وترك مظاهرة عدوهم عليهم.
وبعدُ، ففي الأخبار المتظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه حين بعث عليًّا رحمة الله عليه ببراءة إلى أهل العهود بينه وبينهم، أمره فيما أمره أن ينادي به فيهم:"ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته"، أوضحُ الدليل على صحة ما قلنا. وذلك أن الله لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بنقض عهد قوم كان عاهدهم إلى أجل فاستقاموا على عهدهم بترك نقضه، وأنه إنما أجل أربعة أشهر من كان قد نقض عهده قبل التأجيل، أو من كان له عهد إلى أجل غير محدود. فأما من كان أجل عهده محدودًا، ولم يجعل بنقضه على نفسه سبيلا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بإتمام عهده إلى غاية أجله مأمورًا. وبذلك بعث مناديه ينادي به في أهل الموسم من العرب.
١٦٣٦٨- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس، عن مغيرة، عن الشعبي قال، حدثني محرّر بن أبي هريرة، عن أبي هريرة قال: كنت مع علي رحمة الله عليه، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ينادي. فكان إذا صَحِل صوته ناديتُ، (١) قلت: بأي شيء كنتم تنادون؟ قال: بأربع: لا يطُفْ بالكعبة عُريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ
(١) " صحل صوته "، هو البحح. وله معنى آخر شبيه به في حديث أم معبد، في صفة رسول الله، بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وسلم قالت: " وفي صوته صحل "، (بفتحتين) ، وهو مثل البحة في الصوت. فلا يكون حادا رفيعا.