قيل له: إن قائلي ذلك زعموا أن التأجيل كان من وقت نزول "براءة"، وذلك غير جائز أن يكون صحيحًا، لأن المجعول له أجلُ السياحة إلى وقت محدود. إذا لم يعلم ما جُعل له، ولا سيما مع عهد له قد تقدم قبل ذلك بخلافه، فكمن لم يجعل له ذلك، لأنه إذا لم يعلم ما له في الأجل الذي جُعل له وما عليه بعد انقضائه، فهو كهيئته قبل الذي جُعل له من الأجل. ومعلوم أن القوم لم يعلموا بما جُعل لهم من ذلك، إلا حين نودي فيهم بالموسم. وإذا كان ذلك كذلك. صحَّ أن ابتداءه ما قلنا، وانقضاءه كان ما وصفنا.
وأما قوله:(فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، فإنه يعني: فسيروا فيها مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
* * *
يقال منه: "ساح فلان في الأرض يسيح، سياحة. وسُيُوحًا. وسَيَحانًا.
* * *
وأما قوله:(واعلموا أنكم غير معجزي الله) ، فإنه يقول لأهل العهد من الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ قبل نزول هذه الآية: اعلموا، أيها المشركون، أنكم إن سحتم في الأرض، واخترتم ذلك مع كفركم بالله. على الإقرار بتوحيد وتصديق رسوله = (غير معجزي الله) ، يقول: غير مُفِيتيه بأنفسكم، لأنكم حيث ذهبتم وأين كنتم من الأرض، ففي قبضته وسلطانه، لا يمنعكم منه وزيرٌ، ولا يحول بينكم وبينه إذا أرادكم بعذاب معقلٌ ولا موئل. (١) إلا الإيمان به وبرسوله. والتوبة من معصيته. يقول: فبادروا عقوبته بتوبة، ودعوا السياحة التي لا تنفعكم.
(١) انظر تفسير " الإعجاز" فيما سلف ١٢: ١٢٨ / ١٣: ٣١.