للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: فاضطروا إلى بقرة لا يعلم على صفتها غيرها، وهي صفراء، ليس فيها سواد ولا بياض. (١)

* * *

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه - من الصحابة والتابعين والخالفين بعدهم، من قولهم إن بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم - من أوضح الدلالة على أن القوم كانوا يرون أن حكم الله، فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، على العموم الظاهر، دون الخصوص الباطن، (٢) إلا أن يخص، بعض ما عمه ظاهر التنزيل، كتاب من الله أو رسولُ الله، وأن التنزيل أو الرسول، إن خص بعض ما عمه ظاهر التنزيل بحكم خلاف ما دل عليه الظاهر، فالمخصوص من ذلك خارج من حكم الآية التي عمت ذلك الجنس خاصة، وسائر حكم الآية على العموم؛ على نحو ما قد بيناه في كتابنا (كتاب الرسالة) من (لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام) - في قولنا في العموم والخصوص، وموافقة قولهم في ذلك قولنا، ومذهبهم مذهبنا، وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام، وشهادتهم على فساد قول من قال: حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم، ما لم يختص منها بعض ما عمته الآية. فإن خص منها بعض، فحكم الآية حينئذ على الخصوص.

وذلك أن جميع من ذكرنا قوله آنفا - ممن عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن صفة البقرة التي أمروا بذبحها وسنها وحليتها - رأوا أنهم كانوا في مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى ذلك مخطئين، وأنهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرة من البقر - إذ أمروا بذبحها بقوله: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) ، فذبحوها - كانوا للواجب عليهم من أمر الله في ذلك


(١) الأثر: ١٢٤٧ - سيأتي تمامه في رقم: ١٢٧٣.
(٢) انظر ما مضى في تفسير" الظاهر، والباطن": ٢: ١٥ والمراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>