للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المشركين. (١) قال: فأتيت حتى أخذتُ بلجامه، وهو على بغلةٍ له شهباء، فقال: يا عباس. ناد أصحابَ السمرة! وكنت رجلا صَيِّتًا، (٢) فأذَّنت بصوتي الأعلى: أين أصحاب السمرة! فالتفتوا كأنها الإبل إذا حُشِرت إلى أولادها، (٣) يقولون: "يا لبيك، يا لبَّيك، يا لبيك"، وأقبل المشركون. فالتقوا هم والمسلمون، وتنادت الأنصار: "يا معشر الأنصار"، ثم قُصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج، فتنادوا: "يا بني الحارث بن الخزرج"، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاوِل، إلى قتالهم فقال: "هذا حين حَمِي الوَطِيس"! (٤) ثم أخذ بيده من الحصباء فرماهم بها، ثم قال: "انهزموا وربِّ الكعبة، انهزموا ورب الكعبة! " قال: فوالله ما زال أمرُهم مدبرًا، وحدُّهم كليلا حتى هزمهم الله، قال: فلكأنّي أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يركُضُ خلفهم على بَغْلَتِه. (٥)

١٦٥٧٨- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أنهم أصابوا يومئذٍ ستة آلاف سَبْيٍ، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك، فقالوا: يا رسول الله: أنت خيرُ الناس، وأبرُّ الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالَنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن عندي من ترونَ! وإن خير القولِ أصدقُه، اختاروا: إما ذَراريكم ونساءكم، وإمّا أموالكم. قالوا: ما كنا نعدِل بالأحساب شيئًا! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن هؤلاء جاءوني مسلمين، وإنا خيَّرناهم بين الذَّراريّ والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئًا، فمن كان بيده منهم شيء فطابت نفسُه أن يردَّه فليفعل ذلك، ومن لا فليُعْطِنا، وليكن قَرْضًا علينا حتى نصيب شيئًا، فنعطيه مكانه. فقالوا: يا نبي الله، رضينا وسلَّمنا! فقال: "إني لا أدري لعلَّ منكم من لا يرضَى، فَمُروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا. فرفعتْ إليه العُرَفاء أن قد رضوا وسلموا. (٦)

١٦٥٧٩- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، حدثنا يعلى بن عطاء، عن أبي همام، عن أبي عبد الرحمن = يعني الفهريّ = قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، فلما رَكَدت الشمس، (٧) لبستُ لأمَتي، (٨) وركبت فرسي، حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظِلّ شجرة، فقلت: يا رسول الله، قد حان الرَّواح، فقال: أجل! فنادى: "يا بِلال! يا بلال! " فقام بلال من تحت سمرة، فأقبل كأن ظله ظلُّ طير، فقال: لبيك وسعديك، ونفسي فداؤك، يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسرج فرسي! فأخرج سَرْجًا دَفَّتَاه حشْوهما ليفٌ، ليس فيهما أَشَرٌ


(١) " الغرز "، ركاب الدابة. و " لا يألو " لا يقصر.
(٢) " الصيت " (على وزن جيد) : البعيد الصوت العاليه.
(٣) في المطبوعة: " إذا حنت إلى أولادها "، غير ما في المخطوطة، و " الحشر "، الجمع.
وفي المراجع الأخرى: " لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ". والذي في طبقات ابن سعد، موافق لما في المطبوعة.
(٤) " الوطيس ": حفرة تحتفر، فتوقد فيها النار، فإذا حميت يختبز فيها ويشوى، ويقال لها " الإرة " وهذا من بليغ الكلام، ولم تسمع هذه الكلمة من أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٥) الأثر: ١٦٥٧٧ - " كثير بن العباس بن عبد المطلب "، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد على عهد رسول الله، ولم يسمع منه، تابعي ثقة قليل الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ١ / ٢٠٧، وابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ١٥٣.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده رقم: ١٧٧٥ من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. وفصل أخي السيد أحمد تخريجه هناك، ثم رقم: ١٧٧٦.
ورواه مسلم في صحيحه ١٢: ١١٣، من طريق يونس، عن الزهري. ثم رواه أيضا (١٢: ١١٧) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، ومن طريق سفيان بن عيينه عن الزهري.
ورواه الحاكم في المستدرك ٣: ٣٢٧، من طريق يونس، عن الزهري.
ورواه ابن سعد في الطبقات ٢ / ١ / ١١٢ = ٤ / ١ / ١١، الثاني طريق محمد بن عبد الله، عن عمه، عن ابن شهاب الزهري، والأول من طريق محمد بن حميد العبدي، عن معمر، عن الزهري.
ثم انظر تاريخ الطبري ٣: ١٢٨، حديث ابن إسحاق، في سيرة ابن هشام ٤: ٨٧، ٨٨.
(٦) الأثر: ١٦٥٧٨ - رواه ابن سعد في الطبقات ٢ / ١ / ١١٢. ٨٧، ٨٨.
(٧) " ركدت الشمس "، ثبتت، وذلك حين يقوم قائم الظهيرة.
(٨) " اللأمة " الدرع، وسلاح الحرب كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>