فهذا إسناد ضعيف أيضًا، ولكن له أصل في الصحيح، كما سلف من قبل. (٢) الأثر: ١٦٩٣٢ - هذا إسناد تابع للإسناد السالف، ولكني فصلته عنه، لأن الإسناد الأول قد تم برواية ابن جريج حديث ابن عباس، ثم انتقل إلى إسناد آخر إلى أبي هريرة. و"زياد بن سعد بن عبد الرحمن الخرساني"، وكان شريك ابن جريج، وهو ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير ٢ \ ١ \ ٣٢٧، وابن أبي حاتم ١ \ ٢ \ ٥٣٣. و"محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي القرشي"، ثقة، مضى برقم: ١٠٥٢١. فهذا خبر صحيح الإسناد. وأما قوله: "فمه"، فقد كتبها في المطبوعة: "فمن"، وهي في المخطوطة بالهاء واضحة عليها سكون، ويدل على صواب ذلك، اقتصار ابن جريج في الخبر التالي على ذكر "فمن"، دون ذكر الخبر، فهذا دال على أن الأولى مخالفة للثانية، لا مطابقة لها. واستعمال "مه" بمعنى الاستفهام، قد ذكر له صاحب اللسان في مادة "ما"، شاهدًا، ولكنه أساء في نقله عن ابن جني بعده، فلم يتبين ما أراد قبله. قال: "ما: حرف نفي، وتكون بمعنى الذي. . . وتكون موضوعة موضع: من، وتكون بمعنى الاستفهام وتبدل من الألف الهاء، فيقال: مه، قال الراجز: قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ ومِنْ هَاهُنَا وَمْنِ هُنَهْ إِنْ لَمْ أُرَوِّها فَمَهْ قال ابن جني: يحتمل، مه، هنا وجهين: أحدهما أن تكون: فمه، زجرًا منه، أي: فاكفف عني. ولست أهلا للعتاب = أو: فمه يا إنسان، يخاطب نفسه ويزجرها". قلت: وهذا تحكم من أبي الفتح بن جني، فإن سياق الرجز يوجب أن يكون معناه: إن لم أرو أنا هذا الإبل، فمن يرويها؟ وهو صريح معنى الاستدلال الذي ساقه صاحب اللسان، ولكنه أساء في البيان وقصر، وأساء في إردافه الكلام ما أردفه من كلام أبي الفتح. وهذا الخبر الذي رواه ابن جريج، عن أبي هريرة، دليل آخر وشاهد قوي على استعمالهم "مه"، بمعنى الاستفهام.