فإن قال قائل: فإن كان عني بـ "المؤتفكات" قوم لوط، فكيف قيل:"المؤتفكات"، فجمعت ولم توحّد؟
قيل: إنها كانت قريات ثلاثًا، فجمعت لذلك، ولذلك جمعت بالتاء، على قول الله:(وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) ، [سورة النجم: ٥٣] . (١)
فإن قال: وكيف قيل: أتتهم رسلهم بالبينات، وإنما كان المرسل إليهم واحدًا؟
قيل: معنى ذلك: أتى كل قرية من المؤتفكات رسولٌ يدعوهم إلى الله، فتكون رُسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم إليهم للدعاء إلى الله عن رسالته، رسلا إليهم، كما قالت العرب لقوم نسبوا إلى أبي فديك الخارجي:"الفُدَيْكات"، و"أبو فديك"، واحدٌ، ولكن أصحابه لما نسبوا إليه وهو رئيسهم، دعوا بذلك، ونسبوا إلى رئيسهم. فكذلك قوله:(أتتهم رسلهم بالبينات) .
* * *
وقد يحتمل أن يقال معنى ذلك: أتت قوم نوح وعاد وثمود وسائر الأمم الذين ذكرهم الله في هذه الآية، رسلهم من الله بالبينات.
* * *
وقوله:(فما كان الله ليظلمهم) ، يقول جل ثناؤه: فما أهلك الله هذه الأمم التي ذكر أنه أهلكها إلا بإجرامها وظلمها أنفسها، واستحقاقها من الله عظيم العقاب، لا ظلمًا من الله لهم، ولا وضعًا منه جل ثناؤه عقوبةً في غير من هو لها أهلٌ، لأن الله حكيم لا خلل في تدبيره، ولا خطأ في تقديره، ولكن القوم الذين أهلكهم ظلموا أنفسهم بمعصية الله وتكذيبهم رسله، حتى أسخطوا عليهم ربهم، فحقت عليهم كلمة العذاب فعذِّبوا.