بالباطل لا بالحق، فغير جائز أن يوصفوا بالإعذار، إلا أن يوصفوا بأنهم أعْذَرُوا في الاعتذار بالباطل. فأمّا بالحق = على ما قاله من حكينا قوله من هؤلاء = فغير جائز أن يوصَفوا به.
* * *
وقد كان بعضهم يقول: إنما جاءوا معذّرين غير جادِّين، يعرضون ما لا يريدون فعله. فمن وجَّهه إلى هذا التأويل فلا كلفة في ذلك، غير أني لا أعلم أحدًا من أهل العلم بتأويل القرآن وجَّه تأويله إلى ذلك، فأستحبُّ القول به. (١)
وبعدُ، فإن الذي عليه من القراءة قرأة الأمصار، التشديد في "الذال"، أعني من قوله:(المُعَذّرُونَ) ، ففي ذلك دليلٌ على صحة تأويل من تأوله بمعنى الاعتذار، لأن القوم الذين وُصفوا بذلك لم يكلفوا أمرًا عَذَّرُوا فيه، وانما كانوا فرقتين: إما مجتهد طائع، وإما منافق فاسقٌ، لأمر الله مخالف. فليس في الفريقين موصوفٌ بالتعذير في الشخوص مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو معذّر مبالغٌ، أو معتَذِر.
فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الحجة من القرأة مجمعة على تشديد "الذال" من " المعذرين "، عُلم أن معناه ما وصفناه من التأويل.
* * *
وقد ذكر عن مجاهد في ذلك موافقة ابن عباس.
١٧٠٧٦- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن حميد قال: قرأ مجاهد: (وَجاءَ المُعذَرُونَ) ، مخففةً، وقال: هم أهل العذر.
١٧٠٧٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان المعذرون، [فيما بلغني، نفرًا من بني غِفارٍ، منهم: خفاف بن أيماء بن
(١) في المطبوعة: " فاستحبوا " جمعًا، وإنما جاء الخطأ من سوء كتابة المخطوطة، لأنه أراد أن يكتب بعد آخر الباء واوًا، ثم عدل عن ذلك، فأخذ الناشر بما عدل عنه الناسخ! ! .