للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإشخاص غيره عنها، كما كان الابتداءُ بتعريفهم الواجب عند شخوصه وتخليفه بعضهم.

* * *

وأما قوله: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) ، (١) فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: ليتفقه الطائفة النافرة بما تعاين من نصر الله أهلَ دينه وأصحابَ رسوله، على أهل عداوته والكفر به، فيفقه بذلك من مُعاينته حقيقةَ علم أمر الإسلام وظهوره على الأديان، من لم يكن فقهه، ولينذروا قومهم فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس الله مثل الذي نزل بمن شاهدوا وعاينوا ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك = إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم = (لعلهم يحذرون) ، (٢) يقول: لعل قومهم، إذا هم حذروهم ما عاينوا من ذلك، يحذرون فيؤمنون بالله ورسوله، حذرًا أن ينزل بهم ما نزل بالذين أخبِروا خبرَهم.

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، وهو قول الحسن البصري الذي رويناه عنه، (٣) لأن "النفر" قد بينا فيما مضى، أنه إذا كان مطلقًا بغير صلة بشيء، أنَّ الأغلب من استعمال العرب إياه في الجهاد والغزو. (٤) فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه، وكان جل ثناؤه قال: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) ، علم أن قوله: (ليتفقهوا) ، إنما هو شرط للنفر لا لغيره، إذْ كان يليه دون غيره من الكلام.

* * *

فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معناه: ليتفقه المتخلِّفون في الدين؟

قيل: ننكر ذلك لاستحالته. وذلك أن نَفْر الطائفة النافرة، لو كان سببًا لتفقه المتخلفة، وجب أن يكون مقامها معهم سببًا لجهلهم وترك التفقه، وقد علمنا أن


(١) انظر تفسير " التفقه " فيما سلف ص: ٤١٣، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير " الحذر " فيما سلف ١٠: ٥٧٥ / ١٤: ٣٣١.
(٣) انظر ما سلف رقم: ١٧٤٨٠.
(٤) انظر ما سلف ص: ٢٥١ - ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>