وكل هذه الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، متقاربة المعاني، لأن قول القائل: فلان مقيم على باب من أبواب هذا الأمر، وفلان مقيم على وَجْه من وجوه هذا الأمر، وفلان مُقيمٌ على حرفٍ من هذا الأمر - سواءٌ. ألا ترى أن الله جَلّ ثناؤه وصف قوماٌ عَبدوه على وجه من وجُوه العبادات، فأخبر عنهم أنهم عبدوه على حرف فقال:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}[سورة الحج: ١١] ، يعني أنهم عبدوه على وجه الشك، لا على اليقين والتسليم لأمره.
فكذلك روايةُ من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"نزل القرآن من سبعة أبواب" و "نزل على سبعة أحرف" سواءٌ، معناهما مؤتلف، وتأويلهما غير مُختلف في هذا الوجه.
ومعنى ذلك كله، الخبرُ منه صلى الله عليه وسلم عما خصه الله به وأمتَه، من الفضيلة والكرامة التي لم يؤتها أحدًا في تنزيله.
وذلك أنّ كل كتاب تقدَّم كتابَنا نزولُه على نبيّ من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حُوِّل إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرًا (١) لا تلاوةً له على ما أنزلهُ الله.
وأنزل كتابنا بألسُن سبعة، بأيِّ تلك الألسن السَّبعة تلاه التالي، كان لهُ تاليًا على ما أنزله الله لا مترجِمًا ولا مفِّسرًا، حتى يحوِّله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصيرَ فاعلُ ذلك حينئذٍ -إذا أصاب معناه- مُترجمًا له. كما كان التالي
(١) يستعمل الطبري "الترجمة" وما يشتق منها بمعنى البيان والتفسير والشرح، لا بمعنى نقل الكلام من لسان إلى لسان يباينه. والترجمة التي يشير إليها هنا هي ما مضى في خبر الأحرف التي نزل بها القرآن من مثل قولك "هلم. وأقبل" فإذا كان الكتاب الأول قد نزل وفيه، "هلم" كان القارئ إذا قرأ "أقبل"، وهي بمعناها، مفسرًا للكتاب لا تاليًا له. انظر ما سيأتي: ٣٢، ٥٧، ٦٧، ٧٥ من مطبوعة بولاق.