للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى معنى أنَّ تأويل ذلك: كأنما أُغشِيَت وَجْه كل إنسان منهم قطعةٌ من سواد الليل، ثم جمع ذلك فقيل: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد، إذ جُمِع "الوجه".

* * *

وقرأه بعض متأخري القراء: "قِطْعًا" بسكون الطاء، بمعنى: كأنما أغشيت وجوههم سوادًا من الليل، وبقيةً من الليل، ساعةً منه، كما قال: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) ، [سورة هود: ٨١ /سورة الحجر: ٦٥] ، أي: ببقية قد بقيت منه.

ويعتلُّ لتصحيح قراءته كذلك، أنه في صحف أبيّ: (وَيَغْشَى وُجُوهَهُمْ قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمٌ) . (١)

* * *

قال أبو جعفر: والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي، قراءةُ من قرأ ذلك بفتح الطاء، لإجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها، وشذوذ ما عداها. وحسبُ الأخرى دلالةً على فسادها، خروج قارئها عما عليه قراء أهل أمصار الإسلام. (٢)

* * *

فإن قال لنا قائل: فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت، فما وجه تذكير "المظلم" وتوحيده، وهو من نعت "القطع"، و"القطع"، جمع لمؤنث؟

قيل: في تذكير ذلك وجهان: (٣)

أحدهما: أن يكون قَطْعًا من "الليل" (٤) . وإن يكون من نعت "الليل"، فلما كان نكرةً، و"الليل" معرفةً، نصب على القَطْع،

فيكون معنى الكلام حينئذ: كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل المظلم = ثم حذفت الألف واللام


(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٦٢.
(٢) في المطبوعة: " أهل الأمصار والإسلام "، وهو عبث سخيف.
(٣) في المطبوعة: " في تذكيره "؛ بالهاء مضافة، وهو عبث أيضًا.
(٤) " القطع " (بفتح فسكون) ، الحال، كما سلف مرارًا شرحه وبيانه، وانظر ما سلف ١١: ٤٥٥ / ١٢: ٤٧٧، وفهارس المصطلحات. وقد بين الطبري في هذا الموضع بأحسن البيان عن معنى " القطع "، وقد سلف كلامنا فيه مرارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>