للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و"الذرّة" واحدة: "الذرّ"، و"الذرّ"، صغار النمل. (١)

* * *

قال أبو جعفر: وذلك خبَرٌ عن أنه لا يخفى عليه جل جلاله أصغر الأشياء، وإن خف في الوزن كلّ الخفة، ومقاديرُ ذلك ومبلغه، ولا أكبرها وإن عظم وثقل وزنه، وكم مبلغ ذلك. يقول تعالى ذكره لخلقه: فليكن عملكم أيها الناس فيما يرضي ربَّكم عنكم، فإنّا شهود لأعمالكم، لا يخفى علينا شيء منها، ونحن محصُوها ومجازوكم بها.

* * *

واختلفت القراء في قراءة قوله: (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) .

فقرأ ذلك عامة القراء بفتح الراء من (أَصْغَرَ) و (أَكْبَرَ) على أن معناها الخفض، عطفًا بالأصغر على الذرة، وبالأكبر على الأصغر، ثم فتحت راؤهما، لأنهما لا يُجْرَيان.

* * *

وقرأ ذلك بعض الكوفيين: [وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ] رفعًا، عطفًا بذلك على معنى المثقال، لأن معناه الرفع. وذلك أن (مِنْ) لو ألقيت من الكلام، لرفع المثقال، وكان الكلام حينئذٍ: "وما يعزُب عن ربك مثقالُ ذرة ولا أصغرُ من مثقال ذرة ولا أكبرُ"، وذلك نحو قوله: (مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ اللهِ) ، و (غَيْرُ اللهِ) ، [سورة فاطر: ٣] . (٢)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب، قراءةُ من قرأ بالفتح، على وجه الخفض والردّ على الذرة، لأن ذلك قراءة قراء الأمصار، وعليه عَوَامٌّ القراء،


(١) انظر تفسير " الذرة " فيما سلف ٨: ٣٦٠، ٣٦١.
(٢) لم يذكر أبو جعفر قراءة الرفع في هذه الآية، في موضعها من تفسير " سورة فاطر "، فيما سيأتي ٢٢: ٧٧ (بولاق) ، وسأشير إلى ذلك في موضعه هناك. وهذا دليل آخر على اختصار أبي جعفر، تفسيره في مواضع، كما أشرت إليه في كثير من تعليقاتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>