للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها: بشرى الله إياه ما وعده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الثواب الجزيل، كما قال جل ثناؤه: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) الآية، [سورة البقرة: ٢٥] .

وكل هذه المعاني من بشرى الله إياه في الحياة الدنيا بشره بها، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى، فذلك مما عمه جل ثناؤه: أن (لهم البشرى في الحياة الدنيا) ، وأما في الآخرة فالجنة.

* * *

وأما قوله: (لا تبديل لكلمات الله) ، فإن معناه: إن الله لا خُلْفَ لوعده، ولا تغيير لقوله عما قال، ولكنه يُمْضي لخلقه مواعيدَه وينجزها لهم، (١) وقد:-

١٧٧٥٩- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع قال: أطال الحجاج الخطبة، فوضع ابن عمر رأسَه في حِجْري، فقال الحجاج: إن ابن الزبير بدّل كتاب الله! فقعد ابن عمر فقال: لا تستطيع أنت ذاك ولا ابن الزبير! لا تبديل لكلمات الله! فقال الحجاج: لقد أوتيت علمًا إن نفعك! (٢) = قال أيوب: فلما أقبل عليه في خاصّة نفسه سكَتَ. (٣)

* * *


(١) انظر تفسير " تبديل الكلمات " فيما سلف ٢: ٦٢، تعليق: ١، ٣، والمراجع هناك.
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: " لقد أوتيت علما أن تفعل "، وهو بين الفساد، صوابه من المستدرك للحاكم.
(٣) الأثر: ١٧٧٥٩ - رواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣٣٩، ٣٤٠، من طريق أبي النعمان، عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، بمثله، ليس فيه كلمة أيوب. وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي. وهذا خبر عظيم القدر فيه أخلاق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظاهرة كما علمهم رسولهم، من ترك هيبة الجبابرة، ومن إنكار المنكر من القول والعمل، ومن اليقظة لمعاني الكلام ومقاصد الأعمال، ومن تعليم الناس جهرة أخطاء أمرائهم والولاة عليهم، ومن الصبر على أذى هؤلاء الجبابرة إذا كان الأذى يمسهم في خاصة أنفسهم. فأما إذا كان الأمر أمر الله وأمر رسوله، وأمر الكتاب المنزل بالحق إلى الديانين والجبابرة جميعًا، يأمرهم وينهاهم على السواء، فهم لا يخافون جبارًا قد عود سيفه سفح الدماء، ودرب لسانه على اللذع والقرص واللجاجة. فرحم الله أمة كان هؤلاء النبلاء، أئمتها وهداتها!

<<  <  ج: ص:  >  >>