للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابني فبرَّني"، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه، وأنّ ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم، وذكرنا ذلك بشواهده، وأنّ منه قول الله: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ، [سورة المائدة: ١١٦] ، وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك. (١) وهذا من ذلك، لم يكن صلى الله عليه وسلم شاكًّا في حقيقة خبر الله وصحته، والله تعالى ذكره بذلك من أمره كان عالمًا، ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضًا، إذْ كان القرآن بلسانهم نزل.

* * *

وأما قوله: (لقد جاءك الحق من ربك) الآية، فهو خبرٌ من الله مبتدأ.

يقول تعالى ذكره: أقسم لقد جاءك الحق اليقين من الخبر بأنك لله رسولٌ، وأن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون صحّة ذلك، ويجدون نعتك عندهم في كتبهم = (فلا تكونن من الممترين) ، يقول: فلا تكونن من الشاكين في صحة ذلك وحقيقته. (٢)

* * *

ولو قال قائل: إن هذه الآية خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بها بعضُ من لم يكن صحَّت، بصيرته بنبوته صلى الله عليه وسلم، ممن كان قد أظهر الإيمان بلسانه، تنبيها له على موضع تعرف حقيقة أمره الذي يزيل اللبس عن قلبه، كما قال جل ثناؤه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، [سورة الأحزاب: ١] ، كان قولا غيرَ مدفوعةٍ صحته.

* * *


(١) انظر ما سلف ١١: ٢٣٦، ٢٣٧، ومعاني القرآن للفراء ١: ٤٧٩.
(٢) انظر تفسير " الامتراء " فيما سلف ١٢: ٦١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>