للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمعصيته = إلا قوم يونس، فإنهم نفعهم إيمانهم بعد نزول العقوبة وحلول السخط بهم.

فاستثنى الله قوم يونس من أهل القرى الذين لم ينفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بساحتهم، وأخرجهم منهم، وأخبر خلقه أنه نفعهم أيمانهم خاصة من بين سائر الأمم غيرهم.

* * *

فان قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت من أن قوله: (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها) ، بمعنى: فما كانت قرية آمنَت، بمعنى الجحود، فكيف نصب "قوم" وقد علمت أن ما قبل الاستثناء إذا كان جحدًا كان ما بعده مرفوعًا، وأن الصحيح من كلام العرب: "ما قام أحدٌ إلا أخوك"، و"ما خرج أحدٌ إلا أبوك"؟

قيل: إن ذلك فيما يكون كذلك إذا كان ما بعد الاستثناء من جنس ما قبله، وذلك أن "الأخ " من جنس "أحد"، وكذلك "الأب"، ولكن لو اختلف الجنسان حتى يكون ما بعد الاستثناء من غير جنس ما قبله، كان الفصيح من كلامهم النصبُ، وذلك لو قلت: "ما بقي في الدار أحدٌ إلا الوتدَ"، و"ما عندنا أحدٌ إلا كلبًا أو حمارًا"، لأن "الكلب"، و"الوتد"، و"الحمار"، من غير جنس "أحد"، ومنه قول النابغة الذبياني:

عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ

ثم قال:

إِلا أَوَارِيَّ لأيًا مَا أُبَيَّنُها ... وَالنُّؤْي كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الجَلَدِ (١)

فنصب "الأواري" إذ كان مستثنى من غير جنسه. فكذلك نصب (قوم يونس) ، لأنهم أمة غير الأمم الذين استثنوا منهم، ومن غير جنسهم


(١) سلف الشعر وشرحه ٩: ٢٠٣، تعليق: ٣، ٤، والمراجع هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>