للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن كان الخبر مستأنفًا على ما وصفت، اكتفاءً بدلالة الكلام على معناه.

* * *

وأما قوله: (إمامًا) فإنه نصب على القطع من "كتاب موسى"، (١) وقوله (ورحمة) ، عطف على "الإمام". كأنه قيل: ومن قبله كتاب موسى إمامًا لبني إسرائيل يأتمُّون به، ورحمةً من الله تلاه على موسى، كما:-

١٨٠٧٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (ومن قبله كتاب موسى) ، قال: من قبله جاء بالكتاب إلى موسى.

* * *

وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ذكر عليه منه، وهو: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً) ، = "كمن هو في الضلالة متردد لا يهتدي لرشد، ولا يعرف حقًّا من باطل، ولا يطلب بعمله إلا الحياة الدنيا وزينتها". وذلك نظير قوله: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [سورة الزمر: ٩] (٢) والدليل على حقيقة ما قلنا في ذلك أن ذلك عقيب قوله: (من كان يريد الحياة الدنيا) ، الآية، ثم قيل: أهذا خير، أمن كان على بينة من ربه؟ والعرب تفعل ذلك كثيرًا إذا كان فيما ذكرت دلالة على مرادها على ما حذفت، وذلك كقول الشاعر: (٣)

وَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُه ... سِواكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعًا (٤)

* * *


(١) " القطع "، الحال، كما سلف ص: ٧٦، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير الآية في معاني القرآن للفراء.
(٣) هو امرؤ القيس.
(٤) ديوانه: ١١٣، والخزانة ٤: ٢٢٧، وغيرهما كثير، وسيأتي في التفسير ١٣: ١٠٢ / ٢٣: ١٢٨ / ٢٩: ٦٧ (بولاق) ، وهذا البيت قد كثر الاستدلال به على الحذف، إلا أن البغدادي أفاد فائدة جيدة فقال: " وعذرهم في تقدير الجواب أن هذا البيت ساقط في أكثر الروايات، وقد ذكره الزجاجي في أماليه الصغرى والكبرى في جملة أبيات ثمانية، رواها المبرد من قصيدة لأمرئ القيس، ورأينا أن نقتصر عليها، وهي: بَعَثْتُ إلَيْها والنُّجوم خَوَاضِعٌ ... حِذَارًا عَلَيْهَا أنْ تَقُومَ فَتَسْمَعَا
فَجَاءتْ قَطُوفَ المَشْيِ هَائِبَةَ السُّرَى ... يُدَافِعُ رُكْنَاهَا كَوَاعِبَ أرْبَعَا
يُزَجِّيهَا مَشْىَ النَّزِيفِ وَقَدْ جَرَى ... صُبَابُ الكَرَى فِي مُخِّهِ فَتَقَطَّعَا
تَقُولُ وَقَدْ جَرَّدْتُهَا مِنْ ثِيَابِهَا ... كَمَا رُعْتَ مَكْحُولَ المَدَامِع أَتْلَعَا
أَجِدَّكَ لَوْ شَيْءٌ أَتَانا رَسُولُهُ ... سِوَاكَ وَلكِنْ لم نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا
إِذَنْ لَرَدَدْنَاهُ، وَلَوْ طَالَ مَكْثُهُ ... لَدَيْنَا، وَلَكِنَّا بِحُبِّكَ وُلَّعَا
فَبِتْنَا تَصُدُّ الوُحْشُ عَنَّا، كَأَنَّنَا ... قَتِيلاَنِ لم يَعْلَمْ النَّاسُ لَنَا مَصْرَعَا
إِذَا أَخَذَتْهَا هِزَّةُ الرَّوْعِ، أَمْسَكَتْ ... بِمَنْكِبِ مِقْدَامٍ عَلَى الهَوْلِ أرْوَعَا
هذا ما قاله البغدادي، وفيه قول لا يتسع له هذا المكان، ولكن فيه فائدة تقيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>