للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إخلاص العبادة له وترك إشراك الأوثان معه فيها = (وآتاني رحمة من عنده) ، يقول: ورزقني منه التوفيق والنبوّة والحكمة، فآمنت به وأطعته فيما أمرني ونهاني (١) = (فعميت عليكم) .

* * *

واختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل البصرة والكوفة: (فَعَمِيَتْ) بفتح العين وتخفيف الميم، بمعنى: فعَمِيت الرحمة عليكم فلم تهتدوا لها، فتقرّوا بها، وتصدّقوا رسولكم عليها.

وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) بضم العين وتشديد الميم، اعتبارًا منهم ذلك بقراءة عبد الله، وذلك أنها فيما ذكر في قراءة عبد الله: (فَعَمَّاهَا عَلَيْكُمْ) .

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) بضم العين وتشديد الميم للذي ذكَروا من العلة لمن قرأ به، ولقربه من قوله: (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده) ، فأضَاف "الرحمة" إلى الله، فكذلك "تعميته على الآخرين"، بالإضافة إليه أولى.

* * *

وهذه الكلمة مما حوّلت العرب الفعل عن موضعه. وذلك أن الإنسان هو الذي يعمى عن إبصار الحق، إذ يعمى عن إبصاره، و"الحق" لا يوصف بالعمى، إلا على الاستعمال الذي قد جرى به الكلام. وهو في جوازه لاستعمال العرب إياه نظيرُ قولهم: "دخل الخاتم في يدي، والخف في رجلي"، ومعلوم أن الرجل هي


(١) انظر تفسير ما سلف من ألفاظ الآية في فهارس اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>