وقال آخر: بل "الحُسن" هو الاسم العام الجامع جميع معاني الحسن. و"الحسن" هو البعض من معاني"الحُسن". قال: ولذلك قال جل ثناؤه إذ أوصى بالوالدين: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)[العنكبوت: ٨] يعني بذلك أنه وصاه فيهما بجميع معاني الحُسن، وأمر في سائر الناس ببعض الذي أمره به في والديه، فقال:(وقولوا للناس حسنا) ، يعني بذلك بعض معاني الحُسن.
* * *
قال أبو جعفر: والذي قاله هذا القائل في معنى"الحسن" بضم الحاء وسكون السين، غير بعيد من الصواب، وأنه اسم لنوعه الذي سمي به. وأما"الحسن" فإنه صفة وقعت لما وصف به، وذلك يقع بخاص. وإذا كان الأمر كذلك، فالصواب من القراءة في قوله:(وقولوا للناس حَسنا) ، لأن القوم إنما أمروا في هذا العهد الذي قيل لهم:"وقولوا للناس" باستعمال الحَسن من القول، دون سائر معاني الحسن الذي يكون بغير القول. وذلك نعت لخاص من معاني الحُسن، وهو القول. فلذلك اخترت قراءته بفتح الحاء والسين، على قراءته بضم الحاء وسكون السين.
* * *
وأما الذي قرأ ذلك:(وقولوا للناس حسنى) ، فإنه خالف بقراءته إياه كذلك، قراءة أهل الإسلام. وكفى شاهدا على خطأ القراءة بها كذلك، خروجها من قراءة أهل الإسلام، لو لم يكن على خطئها شاهد غيره. فكيف وهي مع ذلك خارجة من المعروف من كلام العرب؟ وذلك أن العرب لا تكاد أن تتكلم بـ "فعلى""وأفعل" إلا بالألف واللام أو بالإضافة. لا يقال:"جاءني أحسن"، حتى يقولوا:"الأحسن". ولا يقال:"أجمل"، حتى يقولوا،"الأجمل". وذلك أن"الأفعل والفعلى"، لا يكادان يوجدان صفة إلا لمعهود معروف، كما تقول: بل أخوك الأحسن - وبل أختك الحسنى". وغير جائز أن يقال: امرأة حسنى، ورجل أحسن.
* * *
وأما تأويل القول الحسن الذي أمر الله به الذين وصف أمرهم من بني إسرائيل