للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واستحيا منهم، قال: أما تعلمون ما يعملُ أهل هذه القرية؟ وما أعلم على وجه الأرض شرًّا منهم، إن قومي شر خلق الله! فالتفت جبريل إلى الملائكة، فقال: احفظوا، هاتان ثنتان! فلما انتهى إلى باب الدار بكَى حياءً منهم وشفقة عليهم، وقال: إن قومي شرُّ خلق الله، أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرا منهم! فقال جبريل للملائكة: احفظوا هذه ثلاثٌ، قد حُقَّ العذاب! فلما دخلوا ذهبت عجوزُه، عجُوز السَّوء، فصعدت فلوحت بثوبها، فأتاها الفساق يهرعون سراعًا، قالوا: ما عندك؟ قالت: ضيَّف لوطًا الليلة قومٌ ما رأيت أحسنَ وجوهًا منهم ولا أطيب ريحًا منهم! فهُرِعوا يسارعون إلى الباب، (١) فعاجلهم لوط على الباب، فدافعوه طويلا هو داخل وهم خارج، يناشدهم الله ويقول: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، فقام الملك فلزَّ الباب = يقول: فسَدّه = واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن الله له، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء، فنشر جناحه، ولجبريل جناحان، وعليه وشاح من درّ منظوم، وهو براق الثنايا أجلَى الجبين، ورأسه حُبُك، مثل المرجان، (٢) وهو اللؤلؤ، كأنه الثلج، وقدماه إلى الخضرة = فقال: يا لوط، (إنَّا رسل ربك لن يصلوا إليك) ، أمِطْ، يا لوط، من الباب ودعني وإياهم. (٣) فتنحى لوط عن الباب، فخرج عليهم، فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربةً شَدَخ أعينهم، (٤) فصاروا عميًا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم. ثم أمر لوطًا فاحتمل بأهله من ليلته، قال: (فأسر بأهلك بقطع من الليل) .

١٨٤١٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قال لوط لقومه: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) ، والرسل تسمع ما يقول وما يُقال له، ويرون ما هو فيه من كرْب ذلك. فلما رأوا ما بلغه قالوا: (يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) ، أي: بشيء تكرهه = (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) ، أي إنما ينزل بهم العذاب من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.

١٨٤١٨-. . . . قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدَّث. أن الرسل عند ذلك سَفَعُوا في وجوه الذين جاؤوا لوطًا من قومه يراودونه عن ضيفه، (٥) فرجعوا عميانًا. قال: يقول الله: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُم) [سورة القمر: ٣٧] .

١٨٤١٩- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (بقطع من الليل) ، قال: بطائفة من الليل.

١٨٤٢٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بقطع من الليل) ، بطائفة من الليل.

١٨٤٢١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس قوله: (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) ، قال: جوف الليل = وقوله:


(١) في المطبوعة: " مسارعين إلى الباب "، وأثبت ما في المخطوطة.
(٢) هكذا في المطبوعة، بأنه يعني " حبك الشعر "، وهو الجعد المتكسر منه، وفي المخطوطة " حبل حبل " غير منقوطة، كأنها " حبل، حبل "، يعني الذي ينظم في اللؤلؤ كالتاج. أو تقرأ " جثل، جثل "، وهو من الشعر الكثير الملتف. والله أعلم.
(٣) في المطبوعة: " امض يا لوط "، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب المحض. يقال: "ماط عن المكان، وأماط عنه "، إذا تنحى. وفي حديث خيبر أنه أخذ الراية فهزها، فقال: من يأخذها بحقها؟ فجاء فلان، فقال: أنا! فقال: أمط! ثم جاء آخر، فقال: أمط = أي: تنح أنت واذهب.
(٤) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: " شدخ أعينهم "، كأنه من " شدخت الغرة "، إذا غشيت الوجه من أصل الناصية إلى الأنف، في الفرس. هذا، وإلا فإني لا أدري ما هو؟ .
(٥) " سفع وجهه بيده سفعا " لطمه بكفه مبسوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>