للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تفعل العرب ذلك إذا طال الكلام، فتأتي بأشياء لها أجوبة، فتحذف أجوبتها، لاستغناء سامعيها - بمعرفتهم بمعناها - عن ذكر الأجوبة، كما قال جل ثناؤه: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا) [سورة الرعد: ٣١] ، فترك جوابه. والمعنى:"ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن سيرت به الجبال لسيرت بهذا القرآن - استغناء بعلم السامعين بمعناه. قالوا: فكذلك قوله: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) .

* * *

وقال آخرون: جواب قوله: (ولما جاءهم كتاب من عند الله) في"الفاء" التي في قوله: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) ، وجواب الجزاءين في"كفروا به كقولك:"لما قمت، فلما جئتنا أحسنت بمعنى: لما جئتنا إذْ قمت أحسنت. (١)

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩) }

قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى على معنى اللعنة، وعلى معنى"الكفر"، بما فيه الكفاية. (٢)

* * *

فمعنى الآية: فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحق عليهم لله ولأنبيائه، المنكرين لما قد ثبت عندهم صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ففي إخبار الله عز وجل عن اليهود - بما أخبر الله عنهم بقوله: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) - البيان الواضح أنهم تعمدوا الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعد قيام الحجة بنبوته عليهم، وقطع الله عذرهم بأنه رسوله إليهم.

* * *


(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٥٩.
(٢) انظر ما سلف (الكفر) ١: ٢٥٥، ٣٨٢، ٥٢٢، وهذا الجزء (اللعنة) ٢: ٣٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>