للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن جريج قوله: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) ، وكانت اليهود أشد فرارا من الموت، ولم يكونوا ليتمنوه أبدا.

* * *

وأما قوله: (بما قدمت أيديهم) ، فإنه يعني به: بما أسلفته أيديهم. وإنما ذلك مثل، على نحو ما تتمثل به العرب في كلامها. فتقول للرجل يؤخذ بجريرة جرها أو جناية جناها فيعاقب عليها:"نالك هذا بما جنت يداك، وبما كسبت يداك، وبما قدمت يداك"، فتضيف ذلك إلى"اليد". ولعل الجناية التي جناها فاستحق عليها العقوبة، كانت باللسان أو بالفرج أو بغير ذلك من أعضاء جسده سوى اليد.

قال أبو جعفر: وإنما قيل ذلك بإضافته إلى"اليد"، لأن عُظْمَ جنايات الناس بأيديهم، فجرى الكلام باستعمال إضافة الجنايات التي يجنيها الناس إلى"أيديهم"، حتى أضيف كل ما عوقب عليه الإنسان مما جناه بسائر أعضاء جسده، إلى أنها عقوبة على ما جنته يده.

فلذلك قاله جل ثناؤه للعرب: (ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم) ، يعني به: ولن يتمنى اليهود الموت بما قدموا أمامهم في حياتهم من كفرهم بالله، في مخالفتهم أمره وطاعته في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة، ويعلمون أنه نبي مبعوث. فأضاف جل ثناؤه ما انطوت عليه قلوبهم، وأضمرته أنفسهم، ونطقت به ألسنتهم - من حسد محمد صلى الله عليه وسلم، والبغي عليه، وتكذيبه وجحود رسالته - إلى أيديهم، وأنه مما قدمته أيديهم، لعلم العرب معنى ذلك في منطقها وكلامها. إذ كان جل ثناؤه إنما أنزل القرآن بلسانها وبلغتها. وروي عن ابن عباس في ذلك ما:-

١٥٨١ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: (بما قدمت أيديهم) ، يقول: بما أسلفت أيديهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>