للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا أيها الناس، إن هذه الأمة تبتلى في قُبورها، فإذا الإنسان دُفِن وتفرَّق عنه أصحابه، جاءه ملك بيده مِطْراقٌ فأقعده فقال: ما تقولُ في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنًا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبدُه ورسوله. فيقول له: صدقْتَ. فيفتح له بابٌ إلى النار فيقال: هذا منزلك لو كفرتَ بربّك، فأما إذْ آمنت به، فإن الله أبدَلك به هذا. ثم يفتح له بابٌ إلى الجنة، فيريد أن ينْهَضَ له، فيقال له: اسكُنْ. ثم يُفْسَح له في قبره. وأما الكافِر أو المنافق فيقال له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما أدري! فيقال له: لا دَرَيْتَ ولا تَدَرّيتَ ولا اهتديتَ! ثم يفتح له بابٌ إلى الجنة فيقال له: هذا كان منزلك لو آمنت بربك، فأما إذْ كفرت، فإن الله أبدَلك هذا. ثم يفتح له بابٌ إلى النار، ثم يَقْمَعُه المَلَكُ بالمطراق قَمْعَةً يسمعه خَلْقُ الله كُلهم إلا الثقلين. قال، بعضُ أصحابه، يا رسولَ الله، ما مِنَّا أحدٌ يقوم على رأسه مَلَكٌ بيده مِطْراق إلا هِيلَ عند ذلك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثَّابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويُضِلُّ الله الظالمين ويفعلُ الله ما يشاء) . (١)

٢٠٧٦٣ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وذكر قَبْضَ روح المؤمن: فتُعاد روحُه في جسده، ويأتيه مَلَكان فيجلسانه، يعني في قبره، فيقولان: مَنْ ربُّك؟ فيقول: ربيَ الله. فيقولان: ما دينُك؟ فيقول ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجلُ الذي بُعِث فيكم؟ فيقول: هو رسولُ الله. فيقولان: ما يدرِيك؟ فيقول: قرأت كتابَ الله فآمنت به وصدَّقْتُ. فينادِي مُنادٍ من السماء أنْ صَدَق عبدي.


(١) الأثر: ٢٠٧٦٢ - " الحسين بن سلمة بن إسماعيل بن يزيد بن أبي كبشة الأزدي، الطحان " شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: ١٧٦٠٨. وكان في المطبوعة والمخطوطة: " الحسن بن سلمة "، وهو خطأ.
و" محمد بن معمر البحراني "، شيخ الطبري، ثقة، روى له الجماعة. مضى مرارًا كثيرة آخرها رقم: ١٦٨٨٥.
و" عبد الملك بن عمرو القيسي "، و " أبو عامر العقدي "، ثقة من شيوخ أحمد، مضى مرارًا، آخرها: ١٧٦٠٨.
و" عباد بن راشد التميمي "، ثقة، وليس بالقوي، روى له البخاري مقرونًا بغيره، مضى مرارًا، آخرها: ١٧٦٠٨
و" داود بن أبي هند "، ثقة، مضى مرارًا كثيرة.
و" أبو نضرة "، " المنذر بن مالك بن قطعة العبدي "، تابعي، ثقة، كثير الحديث، مضى مرارًا آخرها رقم: ١٥٧٩٧ - ١٥٨٠١.
فهذا حديث صحيح الإسناد، رواه أحمد في مسنده ٣: ٣، عن أبي عامر العقدي، بإسناده. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٣: ٤٧، وقال: " رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال الصحيح "، وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٨٠، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في ذكر الموت، وابن أبي عاصم في السنة، وابن مردويه، والبيهقي في عذاب القبر، وقال: " بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري ". وفي لفظ الخبر بعض الخلاف.
" المطراق "، مما لم تذكره كتب اللغة، وهو ثابت، في جميع روايات الخبر، في المواضع التي ذكرتها، وهو صحيح في العربية، ومثله " المطرق " بكسر فسكون، ومضى في الخبر رقم: ٢٣٨٩، و " المطرقة "،، وهي مضربة الحداد التي يطرق بها الحديد.
وقوله: " لا دريت، ولا تدريت "، هكذا هو في المخطوطة، فأثبته على ذلك، وكان في المطبوعة: " لا دريت ولا تليت "، كما جاء في جميع المراجع الآنفة. والذي في المخطوطة مكتوب بوضوح، لا أجده سائغا أن يكون الناسخ صحف " تليت " إلى " تدريت ". مع شهرة الخبر. فإن صحت هذه رواية في الخبر رواها أبو جعفر، فإنه تكون " تَفَعَّلَ " من " دَرَى " أي طلبت الدراية، كما تقول " علم "، وهما سواء في المعنى. وهي جيدة المعنى جدًا.
وأما " لا دريت ولا تليت "، فقد اختلف في معناها. قالوا: هي من " تلوت " أي لا قرأت ولا درست من " تلا يتلو " فقالها بالياء ليعاقب بها " الياء " في " دريت ". وكان يونس يقول: " إنما هو: " ولا أَتليت " في كلام العرب، معناه: أن لا تتلى إبله، أي لا يكون لها أولاد " تتلوها ". وقال غيره: " إنما هو: لا دريت ولا اتَّليت، على افتعلت، من " ألوت " أي أطقت واستطعت، فكأنه قال: لا دريت ولا استطعت ". وقال ابن الأثير: " المحدثون يرون هذا الحديث: ولا تليت، وصوابه: " ولا ائتَليْت ".
وقال الزمخشري في الفائق (تلا) ، وذكر الخبر: " أي، ولا اتبعت الناس بأن تقول شيئا يقولونه. ويجوز أن يكون من قولهم: " تلا فلان تِلْوَ غير عاقِل "، إذا عمل عمل الجهال، أي لا علمت ولا جهلت يعني: هلكت فخرجت من القبيلتين.
وأحسب أن الذي في التفسير، إن صحت روايته، أبين دلالة على المعنى مما ذهبوا إليه. هذا، وفي رواية الخبر عند جمعهم زيادة في هذا الموضع: " فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا ". وهذه رواية أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>