حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) قال: حين وضع إسماعيل.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذن: ربنا إني أسكنت بعض ولدي بواد غير ذي زرع. وفي قوله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه لم يكن هنالك يومئذ ماء، لأنه لو كان هنالك ماء لم يصفه بأنه غير ذي زرع عند بيتك الذي حرّمته على جميع خلقك أن يستحلوه.
وكان تحريمه إياه فيما ذكر كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في خطبته: إن هذا البيت أوّل من وليه أناس من طسْم، فعصوا ربهم واستحلوا حرمته، واستخفوا بحقه، فأهلكهم الله. ثم وليهم أناس من جُرهم فَعصوا ربهم واستحلوا حرمته واستخفوا بحقه، فأهلكهم الله. ثم وليتموه معاشر قريش، فلا تعصوا ربه، ولا تستحلوا حرمته، ولا تستخفوا بحقه، فوالله لصلاة فيه أحبّ إليّ من مئة صلاة بغيره، واعلموا أن المعاصي فيه على نحو من ذلك. وقال (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) ولم يأت بما وقع عليه الفعل، وذلك أن حظّ الكلام أن يقال: إني أسكنت من ذريتي جماعة، أو رجلا أو قوما، وذلك غير (١) جائز مع "من" لدلالتها على المراد من الكلام، والعرب تفعل ذلك معها كثيرا، فتقول: قتلنا من بني فلان، وطعمنا من الكلأ وشربنا من الماء، ومنه قول الله تعالى (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) .
فإن قال قائل: وكيف قال إبراهيم حين أسكن ابنه مكة (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) وقد رويت في الأخبار التي ذكرتها أن إبراهيم بنى البيت بعد ذلك بمدة. قيل: قد قيل في ذلك أقوال قد ذكرتها في سورة البقرة، منها أن معناه: عند بيتك المحرّم الذي كان قبل أن ترفعه من الأرض حين رفعته أيام الطوفان، ومنها عند بيتك المحرم من استحلال حرمات الله فيه، والاستخفاف بحقه. وقوله (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) يقول: فعلت ذلك
(١) يريد أن من إذا كان معناها التبعيض. كما في الآية، لم يجز ذكر المفعول بعدها، لأنها حينئذ بمعنى المفعول، أي أسكنت بعض ذريتي بواد غير ذي زرع.