واختلفت القرّاء في قراءة قوله (لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الحجاز والمدينة والعراق ما خلا الكسائي (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية، بمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وقرأه الكسائي:" وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " بفتح اللام الأولى ورفع الثانية على تأويل قراءة من قرا ذلك: " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " من المتقدمين الذين ذكرت أقوالهم، بمعنى: اشتدّ مكرهم حتى زالت منه الجبال، أو كادت تزول منه، وكان الكسائي يحدّث عن حمزة، عن شبل عن مجاهد، أنه كان يقرأ ذلك على مثل قراءته " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " برفع تزول.
حدثني بذلك الحارث عن القاسم عنه.
والصواب من القراءة عندنا، قراءة من قرأه (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية، بمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال.
وإنما قلنا: ذلك هو الصواب، لأن اللام الأولى إذا فُتحت، فمعنى الكلام: وقد كان مكرهم تزول منه الجبال، ولو كانت زالت لم تكن ثابتة، وفي ثبوتها على حالتها ما يبين عن أنها لم تزُل، وأخرى إجماع الحجة من القرّاء على ذلك، وفي ذلك كفاية عن الاستشهاد على صحتها وفساد غيرها بغيره.
فإن ظنّ ظانٌّ أن ذلك ليس بإجماع من الحجة إذ كان من الصحابة والتابعين من قرأ ذلك كذلك، فإن الأمر بخلاف ما ظنّ في ذلك، وذلك أن الذين قرءوا ذلك بفتح اللام الأولى ورفع الثانية قرءوا:" وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ " بالدال، وهي إذا قرئت كذلك، فالصحيح من القراءة مع " وَإِنْ كادَ " فتح اللام الأولى ورفع الثانية على ما قرءوا، وغير جائز عندنا القراءة كذلك، لأن مصاحفنا بخلاف ذلك، وإنما خطَّ مصاحفنا وإن كان بالنون لا بالدال، وإذ كانت كذلك، فغير جائز لأحد تغيير رسم مصاحف المسلمين، وإذا لم يجز ذلك لم يكن الصحاح من القراءة إلا ما عليه قرّاء الأمصار دون من شذ بقراءته عنهم.
وبنحو ما قلنا في معنى (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ) قال جماعة من أهل التأويل.