للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بذلك قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر محمدا في أول الآية أن يخبر اليهود بذلك عن نفسه - ولم يقل: فإنه نزله على قلبي = ولو قيل:"على قلبي" كان صوابا من القول = لأن من شأن العرب إذا أمرت رجلا أن يحكي ما قيل له عن نفسه، أن تخرج فعل المأمور مرة مضافا إلى كناية نفس المخبر عن نفسه، إذ كان المخبر عن نفسه؛ ومرة مضافا إلى اسمه، كهيئة كناية اسم المخاطب لأنه به مخاطب. فتقول في نظير ذلك:"قل للقوم إن الخير عندي كثير" - فتخرج كناية اسم المخبر عن نفسه، لأنه المأمور أن يخبر بذلك عن نفسه-: و"قل للقوم إن الخير عندك كثير" - فتخرج كناية اسمه كهيئة كناية اسم المخاطب، لأنه وإن كان مأمورا بقيل ذلك، فهو مخاطب مأمور بحكاية ما قيل له. وكذلك:"لا تقل للقوم إني قائم" و"لا تقل لهم إنك قائم"، و"الياء" من"إني" اسم المأمور بقول ذلك، على ما وصفنا. ومن ذلك قول الله عز وجل: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) و (تغلبون) [آل عمران: ١٢] ، بالياء والتاء. (١)

* * *

وأما"جبريل" فإن للعرب فيه لغات. فأما أهل الحجاز فإنهم يقولون"جبريل، وميكال" بغير همز، بكسر الجيم والراء من"جبريل" وبالتخفيف. وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل المدينة والبصرة.

أما تميم وقيس وبعض نجد فيقولون:"جَبرئيل وميكائيل" على مثال"جبرعيل وميكاعيل"، بفتح الجيم والراء، وبهمز، وزيادة ياء بعد الهمزة. وعلى القراءة بذلك عامة قَرَأَة أهل الكوفة، كما قال جرير بن عطية:

عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد ... وبجَبرَئيل وكذبوا ميكالا (٢)


(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٦٣.
(٢) ديوانه: ٤٥٠، ونقائض جرير والأخطل: ٨٧، من قصيدته الدامغة في هجاء الأخطل، والضمير إلى تغلب، رهط الأخطل، وقبله: قبح الإله وجوه تغلب، كلما ... شَبَح الحجيج وكبروا إهلالا

<<  <  ج: ص:  >  >>