للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظلال الأشياء هي التي تسجد، وسجودها: مَيَلانها ودورانها من جانب إلى جانب، وناحية إلى ناحية، كما قال ابن عباس يقال من ذلك: سجدت النخلة إذا مالت، وسجد البعير وأسجد: إذا أميل للركوب. وقد بيَّنا معنى السجود في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.

وقوله (وَهُمْ دَاخِرُونَ) يعني: وهم صاغرون، يقال منه: دخر فلان لله يدخر دخرا ودخورا: إذا ذلّ له وخضع ومنه قول ذي الرُّمَّة:

فَلَمْ يَبْقَ إلا داخِرٌ فِي مُخَيَّسٍ ... ومُنْجَحِرٌ فِي غيرِ أرْضِكَ في جُحْرِ (١)

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَهُمْ دَاخِرُونَ) صاغرون.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَهُمْ دَاخِرُونَ) : أي صاغرون.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة مثله.

وأما توحيد اليمين في قوله (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ) فجمعها، فإن ذلك إنما جاء كذلك، لأن معنى الكلام: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلال ما خلق من شيء عن يمينه: أي ما خلق، وشمائله، فلفظ "ما" لفظ واحد، ومعناه معنى الجمع، فقال: عن اليمين بمعنى: عن يمين ما خلق، ثم رجع إلى


(١) البيت شاهد على أن معنى الداخر: الصاغر. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: وهم داخرون: أي صاغرون يقال: فلان دخر لله: أي ذل وخضع. و (في اللسان: دخر) : دخر الرجل بالفتح يدخر دخورا، فهو داخر، ودخر دخرا: (كفرح) ذل وصغر يصغر صغارًا، وهو الذي يفعل ما يؤمر به، شاء أو أبى، صاغرا قميئا. وفي (اللسان: خيس) : وكل سجن: مخيس ومخيس (بتشديد الياء مفتوحة ومكسورة) . وأنشد البيت ونسبه إلى الفرزدق. والمنجحر: الداخل في الجحر، يقال: أجحره فانجحر: أدخله الجحر، فدخله. والجحر: كل شيء تحتقره الهوام والسباع لأنفسها. والجمع: أجحار وجحرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>