حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى) في الدنيا فيما أراه الله من آياته من خلق السماوات والأرض والجبال والنجوم (فَهُوَ فِي الآخِرَةِ) الغائبة التي لم يرها (أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسئل عن قول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا) فقرأ (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ)(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) وقرأ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) وقرأ حتى بلغ (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) قال: كلّ له مطيعون، إلا ابن آدم. قال: فمن كانت في هذه الآيات التي يعرف أنها منا، ويشهد عليها وهو يرى قدرتنا ونعمتنا أعمى، فهو في الآخرة التي لم يرها أعمى وأضلّ سبيلا.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن حجج الله على أنه المنفرد بخلقها وتدبيرها، وتصريف ما فيها، فهو في أمر الآخرة التي لم يرها ولم يعاينها، وفيما هو كائن فيها أعمى وأضلّ سبيلا يقول: وأضلّ طريقا منه في أمر الدنيا التي قد عاينها ورآها.
وإنما قلنا: ذلك أولى تأويلاته بالصواب، لأن الله تعالى ذكره لم يخصص في قوله (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ) الدنيا (أَعْمَى) عمى الكافر به عن بعض حججه عليه فيها دون بعض، فيوجه ذلك إلى عماه عن نعمه بما أنعم به عليه من تكريمه بني آدم، وحمله إياهم في البرّ والبحر، وما عدد في الآية التي ذكر فيها نعمه عليهم، بل عمّ بالخبر عن عماه في الدنيا، فهم كما عمّ تعالى ذكره.
واختلف القرّاء في قراءة قوله (فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى) فكسرت القَرأة جميعا أعني الحرف الأوّل قوله (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى) . وأما قوله (فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى) فإن عامة قرّاء الكوفيين أمالت أيضا قوله (فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى) وأما بعض قرّاء البصرة فإنه فتحه، وتأوّله بمعنى: فهو في الآخرة أشدّ عمى. واستشهد لصحة قراءته بقوله (وَأَضَلُّ سَبِيلا) .