للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) فأخبر أنهم يسمعون وينطقون؟ قيل: جائز أن يكون ما وصفهم الله به من العَمى والبكم والصمم يكون صفتهم في حال حشرهم إلى موقف القيامة، ثم يجعل لهم أسماع وأبصار ومنطق في أحوال أُخَر غير حال الحشر، ويجوز أن يكون ذلك، كما روي عن ابن عباس في الخبر الذي حدثنيه عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا) ثم قال (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا) وقال (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) وقال (دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) أما قوله (عُمْيا) فلا يرون شيئا يسرّهم. وقوله (بُكْما) لا ينطقون بحجة، وقوله (صُمًّا) لا يسمعون شيئا يسرّهم، وقوله (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) يقول جلّ ثناؤه: ومصيرهم إلى جهنم، وفيها مساكنهم، وهم وَقُودها.

كما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) يعني إنهم وقودها.

وقوله (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) يعني بقوله خبت: لانت وسكنت، كما قال عديّ بن زيد العبادي في وصف مزنة:

وَسْطُهُ كالْيَرَاعِ أوْ سُرُجِ المِجْدَلِ ... حِينًا يَخْبُو وحِينًا يُنِيرُ (١)

يعني بقوله: يخبو السرج: أنها تلين وتضعف أحيانا، وتقوى وتنير أخرى، ومنه قول القطامي:


(١) البيت لعدي بن زيد العبادي (شعراء النصرانية ص ٤٥٥) وهو مما كتب به إلى النعمان، وهو من غرر قصائده. واليراع: فراشة إذا طارت في الليل لم يشك من يعرفها أنها شرارة طائرة عن نار. قال الجاحظ: نار اليراعة قيل هي نار حباحب، وهي شبيهة بنار البرق. قال: واليراعة طائر صغير إن طار بالليل كان كأنه شهاب قذف، أو مصباح يطير. والمجدل، بكسر الميم: القصر المشرف، لوثاقة بنائه وجمعه مجادل. وخبت النار والحرب والحدة تخبو خبوا (على فعل) وخبوا (على فعول) : سكنت وطفئت، وخمد لهبها. وقوله تعالى: (كلما خبت زدناهم سعيرا) : قيل معناه: سكن لهبها، وقيل معناه: كلما تمنوا أن تخبو، وأرادوا أن تخبو. (انظر اللسان: يرع، وجدل، وخبا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>